( بقلم: نواف عبد الصمد الجاسر المملكة العربية السعودية )
ان يعي الشيعة العرب خطورة المرحلة التاريخية الانتقالية التي يمرون بها أمر قد لا يختلف عليه اثنان، لأنهم اذا فشلوا هذه المرة في البحرين والعراق ولبنان فلن تقوم لهم قائمة بعد الان، وسيلعنهم احفادهم واجيالهم القادمة، بسبب تفريطهم بعناصر الصحوة والنهوض التي توافرت لهم منذ انتصار الثورة في ايران 1979، ثم انتصار حزب الله في 2000و2006، والانتصار الساحق في الانتخابات العراقية بعد عام 2003، والانتصار في الانتخابات البحرينية عام 2006. ووعي المرحلة امر في غاية التعقيد، لاشتماله على ابعاد مختلفة، ابرزها وعي اهمية السلطة بدل اهمية المعارضة، وكيفية ادارة الدولة بدل ادارة المجتمع، وفقه الحياة بدل فقه الموت، وصرف الاموال في محلها.. على الاعلام والسياسة والعلم والتكافل، بدل صرفها على بعض الطقوس، برغم أهمية هذه الطقوس.لقد اصبح الشيعة العرب شركاء حقيقيين في القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والديني في الشرق الاوسط، وليسوا - كما كانوا يوصفوا - تابعين ومنبوذين وجنودا ووصباغي أحذية ونواطير وسواق تاكسيات وبائعي خضار. أصبحوا مواطنين من الدرجة الاولى وشركاء مع اخوانهم السنة في كل شيء، الى مستوى لم تعد حياله جدوى من قيام اية حكومة مهما كانت موغلة في طائفيتها في منعهم من ان يكونوا على قدم المساواة مع اخوانهم من اتباع المذاهب الاسلامية الاخرى. وهذا الامر يتطلب في المقابل وقفة رجال من الاخوة السنة.. واحساس بالمسؤولية تجاه الاوطان ومستقبلها ومستقبل المنطقة، وليس وقفة خصام وحرب وتأمر،بل يتجاوزوا عقلية الاستئثار بالقرار واقصاء اخوانهم الشيعة وتهميشهم، لأن الزمن هذا ولّى ورحل، ولن يعود أبداً. ويقابل الوعي الشيعي هذا وعيٌ سني ضروري ايضاً يتمثل في وعيهم خطورة المرحلة، ومساعدة اخوانهم الشيعة في ان يكونوا شركاء لهم وليسوا تابعين ونزلاء وطارئين ومستوطنين، فالشيعة العرب هم درة المشرق وجوهرته وأصالته وهويته وعنوانه، وبخلاف ذلك فان الكارثة الطائفية قادمة الى المنطقة.
يُلاحظ ان الشيعة، سواء من كان منهم في السلطة او المعارضة، تعودوا على قاعدتين ثابتتين في تقويم الواقع، أولها جلد الذات والقاء اللوم على النفس، وكأن اي فشل هو بسبب عوامل داخلية تخص الشيعة فقط، والقاعدة الثانية تتمثل في القاء التبعية في التراجع والفشل على العوامل الخارجية والتي تمثل في الوان التآمر، دون ان يتنكر الشيعة لما يمارسونه في حق انفسهم .فبدلاً القاء اللوم على الآخرين، او الجمود على عقدة الذنب، فإن الاندفاع باتجاه بناء المستقبل هو الحل المثالي للرد على كل الوان التآمر، ولسد جميع الثغرات الداخلية. والملاحظ أن النظرة الاحادية لكلا القاعدتين غير صحيح، فضلاً عن أن الكلام والجدل في هذا المجال لا ينفع بشيء. ان نوعية الخلاف بين السنة والشيعة، تختلف من منطقة لأخرى؛ فالمناطق الغنية بالنفط سيكون الخلاف فيها اشد من المناطق التي لا تملك وضعاً اقتصادياً متميزاً، إذ سيكون الخلاف ايديولوجيا، وهكذا نسبة الشد والتوتر، فإنها تعتمد على نوعية التغذية المؤثرة فيه، ومع ذلك فهناك مناطق قابلة للتعايش لولا مصادر الإثارة الجديدة، ومع ذلك فإن العمل على تخفيف كل نوع من انواع التوترات يوصل دون شك الى الهرم بشكل انسيابي، مع نشاط العمل ونوعه وفي معالجة القرار والتوجه الشيعي (الداخلي) ومحاولة الحلحلة او الالتفاف على اي تمرد خارج الاطار الشيعي.
ان الانطلاق من كلمة الامام علي (ع) ((اية الرئاسة سعة الصدر)) هو ما قام به الشيعة في العراق بالخصوص بتطبيقه بشكل جيد (مع التحفظ على بعضها)، إذ لم ينجروا الى الفتن التي تفقد الجميع نعمة السلام في الوطن وخسارة الشيعة الوضع الجديد الذين هم عليه، وتلك خطوة نجح الشيعة فيها في تفويت الفرصة على من سعى ويسعى الى الفتنة.
قد يقول قائل بأن احتلال العراق وإن كان ظاهريا هو لصالح شيعة آل البيت، لكن، باطنيا ضرب العمق الشيعي وأفقده المصداقية، ليس امام المجتمعات السنية، ولكن أمام العالم أجمع بنعت انهم خونة لأوطانهم وحكوماتهم، وهذا الكلام لا يزال سائداً حتى الان في السعودية والاردن والمغرب العربي، حتى بدء الكثير منهم بإعادة حساباتهم في مسألة التقارب السني – الشيعي.
وقد يقول قائل آخر أن اعدام صدام حسين على يد الحكومة التي يرأسها اسلامي شيعي أشعر الكثير من السنة بنوع من الامتعاض والكره، بل التنادي لقتل الشيعة، وبرز هذا التنادي حتى من قبل السنه المتشددين ممن كان يكفر صدام، او من ينادي بالتقارب، كالتيار العلماني او الليبرالي او من عوامهم، بل قام كثير منهم بطلب المغفره لصدام، وهو القاتل المحترف، وصوروا الشيعة على انهم قتلة مجرمون ولم يحترموا الايام المباركة، وهي صورة مقلوبة بالكامل، فقد ظل الشيعة يتعرضون للقتل والظلم طيلة مئات السنين، ومنها الزمن الذي نحن فيه الآن، حتى في العراق الذي اصبح فيه الشيعة شركاء في القرار. ومن هنا فإن الاعمال التي ارتكبها التكفيريون وبقايا نظام صدام ضد الشيعة قتلاً وحرقاً هو انتقام فقط، إذ لم يفرقوا بين مرقد ونخله، رجل وانثى، صغير وكبير؛ الامر الذي يفرض ان لا نذر الرماد على اعيننا واعين الناس.
إن الحجج الواهية والاتهام بالتعاون مع الاحتلال واعدام صدام، يعرفهما الجميع، فهما يدخلان في سياق إعادة التاريخ الى الوراء، وهو ما لن يحدث ابداً؛ لأن الشيعة ماضون الى مستقبل مشرق، والاخوة السنة العرب والمسلمون سيدعمونهم تدريجياً باتجاه النهوض ومزيد من المشاركة، وبالتالي تقوية جبهة الممانعة والمقاومة الحقيقية لكل الوان الاستكبار والاحتلال، والتي يقودها الشيعة في العراق ولبنان وايران وغيرها.. وهذا يعني ان منطقتنا بحاجة الى اعادة تاهيل ثقافي تتوج به مستقبلها. أما اعدام صدام فكان قراراً قانونياً لا دخل للشيعة والسنة فيه، لا سيما وان صدام حصل على محاكمة منحازة له في اخراجها؛ لأنها حولته من قاتل محترف لا دين له الى بطل مؤمن. ويظل احتلال العراق مرفوضاً بتاتاً من الشيعة، وكانوا ولا زالوا ركيزة المقاومة الحقيقية وعقلها وجسمها وأداتها، وذلك من خلال الاستراتيجية الدقيقة التي اتبعوها، وهي تدمير المشروع الاميركي من داخله، وهو ما حصل حتى الآن.
https://telegram.me/buratha