المقالات

ما يصلح الأنبار لا يصلح البصرة!

1366 14:23:00 2007-11-30

( بقلم : نضير الخزرجي- لندن)

تُعبّر "التجربة" كأية تجربة عن حالة أو وضعية مر أو يمر بها المرء منفردا او مجتمعا، وقد تخطئ او تصيب، وفي الحالتين فهي محل اعتبار لمن يعتبر، فاللبيب يأخذ بالتجربة الناجحة ويتجنب الفاشلة، وحتى الفاشلة فهي بحد ذاتها مفيدة، والعاقل من اتعظ بتجارب غيره. ولكن هل تتحقق التجارب الناجحة في كل مكان وزمان، وتحصد النتائج نفسها؟

هنا مربط الفرس، فالتجربة الناجحة من حيث هي فعل وأداء محبوب في ذاته، ولكن ملاحظة إمكانية تطبيقها من حيث المكان والزمان هو الأهم من التجربة نفسها، لأنها قد تصبح عديمة الفائدة، او تحمّل اصحابها ما لا يطيقون، فيقعون في فخها، وفوائد قوم عند قوم مصائب، فتحقيق تجربة تأسيسا على نجاحات لتجربة سالفة او قائمة، عمل غير منجّز فيما اذا انفقدت أشراط الملازمة، فما يزرع في هذه الأرض لا يزرع في أرض أخرى، وما يزرع في موسم لا يزرع في آخر، فتشابه الظروف والحيثيات هو الذي يحقق الملازمة ويوفر مقومات النجاح.وفي الواقع السياسي العراقي ما بعد ابريل نيسان 2003م، تجارب كثيرة حُلوة ومُرّة، ومنها تجربة مجالس الصحوة التي ابتدأت بالأنبار وانتشرت بسرعة في مدن وأقضية وقرى شمال غرب بغداد، حتى حلّت بإحياء واسعة من بغداد، وهذه التجربة مع تخوف قائم من آثار سلبية جانبية، فإنها نافعة في كثير من المناطق، استطاعت ان تحصر الإرهاب وتطوقه وتعيد الأمن الى تلك النواحي والأحياء، ويتنفس الناس الصعداء.ومنذ فترة بتنا نسمع هنا وهناك، من هذا وذاك عن خطوات لإحياء التجربة في مدن وسط وجنوب العراق.لا نشك في الكثير من النوايا الصادقة لمثل هذه الدعوات، وان كان حسن الظن في مثل هذه الأوضاع خلاف الفطنة، بيد ان مثل هذه الدعوات، كثيرة الضرر غير محمودة العواقب، بسبب انعدام الظروف الموضوعية بين تجربة مجالس الصحوة في الأنبار وغيرها، وبين مدن الوسط والجنوب، وذلك من وجوه عدة، أهمها:أولا: سجلت مدن شمال وغرب بغداد فراغا حكوميا، بعد فترة من سقوط نظام صدام، عملت المجموعات الخارجة عن القانون والممولة ماديا وبشريا على خلق الفراغ ومقدماته وسده في آن واحد ما مكنها في بسط نفوذها على الأرض وأهلها، وهذا ما لم يقع في مدن الوسط والجنوب، فالحكومة العراقية كانت ولا زالت حاضرة بمؤسساتها.ثانيا: مالت الكفة في تلك المدن والأقضية لصالح أجندات خارجية مثلتها على الأرض حركات مسلحة وأخرى تكفيرية حاولت دق إسفين الحرب الطائفية بين مكونات الشعب العراقي لإضعاف الحكومة المركزية المنتخبة، والعودة بالعراق الى ما قبل ابريل نيسان 2003 كما هو ديدن المجموعات المسلحة، او تطبيق تجربة طالبان في العراق كما كانت تخطط لذلك القاعدة.أما في مدن الوسط والجنوب، فان الأطياف العراقية بجميع مشاربها السياسية ساهمت في إقامة حكم القانون وتطبيق الدستور، فالملايين التي وضعت أوراقها في صناديق الاقتراع وبصمت على نظام الحرية والتعددية السياسية باللون البنفسجي لم ترفع السلاح في وجه الحكومة المركزية، وكانت تفسر مفهوم المقاومة بالضد من القوات الأجنبية تفسيرا بعيدا عن لغة السلاح، بدأت تحصد ثماره بخاصة مع حكومة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي، التي شهد العراق في ظلها تسلم ثمان مدن ملفها الأمني.ثالثا: توصل أبناء الصحوة الى قناعة بان المجموعات المسلحة ومثيلاتها التكفيرية ضيعت على هذه المدن مشاريع البناء والإعمار وجمدت عليهم مليارات من حصصهم في الميزانية الوطنية، بخاصة وهم يرون بأم أعينهم العمران الحاصل في إقليم كردستان العراق وأقل منه في مدن الوسط والجنوب، وهو ما خلق حسرة ما بعدها حسرة وشعور بالغبن دفع بعقلاء القوم الى التشمير عن ساعد الجد ودفع الضرر عن مدنهم وسكانها، وبدأت هذه المدن تستعيد عافيتها بعد ان أخذت الميزانية وجهتها الصحيحة.والشعب العراق مدرك بعد عقود من الاضطهاد السياسي والحروب الجنونية، أن الأمن هو الذي يوفر السلم الاجتماعي وهو الذي يعبد الطريق أمام عجلة الاعمار والبناء، بل ان هذه المعادلة الطبيعية التي يدركها كل ذي عقل وحس وطني هي التي أملت على رجال مجالس الصحوة التحرك الجاد باتجاه طرد المسلحين والتكفيريين.رابعا: على خلاف مدن الوسط والجنوب وإقليم كردستان، انحسرت مقاعد الجمعية الوطنية من قبل ومجلس النواب في دورته الجديدة، الممثلة عن سكان مدن شمال غرب بغداد، فضلا عن الوزارات، في يد قلة قليلة من المنظمات والأحزاب السياسية، مما زاد من مناسيب همّة مجالس الصحوة لتصحيح المعادلة التي تمنطقت بحزام من فتاوى تحرّم عليهم المشاركة في بناء الدولة العراقية الحديثة، وتجعل الموت نصيب كل من يشارك في سلك الشرطة او الجيش.خامسا: اذا كانت المجموعات المسلحة وأخواتها التكفيرية في مدن شمال غرب بغداد وجدت في نفسها المشرع والمنفذ في آن واحد وأعطت لها الحق المحرّم في تطبيق قانون المراهقة السياسية والدينية، فان القانون العراقي هو النافذ في مدن الوسط والجنوب، والامتثال اليه هو الذي يمنع حصول التجاوزات ويضيق الحبل على رقبة الجريمة المنظمة، بخاصة وان دوائر الدولة من موظفين وجيش وشرطة هم من أبناء هذه المدن، وهم ينفذون القانون على أنفسهم وعلى غيرهم من أبناء جلدتهم.لهذه الأسباب وغيرها، فان أية دعوة لإقامة مجالس صحوة في مدن مثل كربلاء او الديوانية او البصرة، إنما هي دعوة عقيمة، ومحاولة لإرباك الحكومة المركزية والإدارات المحلية، فما يصلح في الفلوجة والرمادي لا يصلح في العمارة والبصرة، وحتى مجالس الصحوة إنما قامت حتى يأخذ القانون مجراه وتبسط الحكومة المركزية يدها وتأخذ الحكومات المحلية دورها الحقيقي في البناء والإعمار، وإذا ما تحقق الأمن والإعمار فان هذه المجالس وبشكل طبيعي ستندمج في مؤسسات الدولة، بل هي نواة المؤسسات الحكومية الجديدة في الأنبار وغيرها، فما هو غائب في مدن شمال غرب بغداد حاضر في مدن الوسط والجنوب فضلا عن إقليم كردستان العراق، وإذا تحقق حضور الغائب وانجلت غبرة الإرهاب، انحسرت مجالس الصحوة، ولم تعد الحاجة ملزمة لأداء فرض السلطات بتراب الصحوة بعد أن حضر ماء القانون.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك