منذ سقوط الطاغية وأنا في دوامة اختيار المكان المناسب الذي يمكن ان انطلق منه لخدمة المذهب والوطن الذي اثخنه الاوغاد بالجراح ومن نقطة أعتقدتها منطلقاَ جيدا ً الى اخرى انتقل اليها بعد ان ادرك ان كل نقطة التي أقف عندها غير مستقرة ولابد من نقطة اخرى قبلها ممكن ان تكون الاساس الذي أنطلق منه! بدات رحلتي .
البداية في دوائر الدولة كموظفة معتقدة انها المنطلق الا انني اكتشفت ان الارضية التي اقف عندها لا تستند الى الاخلاق فالاخلاق واصول المعاملة مفردات من الماضي السحيق ! وكلمتا حلال وحرام قد عقدتا صلحاً في دوائرنا !! فقررت الانسحاب الى نقطة تسبقها وهي محاولة غسل النفس البشرية من أي بقايا لافكار وترسبات للماضي التي ربما رفضناها قلباً الا انها اخترقت ضمائرنا لطول المدة فبتنا نشك بأنفسنا بعد ان سرنا خلف نعش المبادى الذي قتلها مجتمع تسوده قوانين غريبة وطارئة والاعتراف بهذا هو اول محاولات تحديد الخطأ للذات ولما كان اصلاح الذات مرتبط بأصلاح ذوات المحيطين صارت النقطة الجديدة هي محاولة الاصلاح.
باتت هذه النقطة هدف للكثيرين ممن حاولوا ولا زالوا يحاولون والذين كان لي شرف التعرف على احدهم لاعلم منه ان أي شيء ممكن ان يصدر مني قل أم كثر ويخدم مجتمعي سيكون مقبولا وما علي الا تبني فكرة ومن ثمة العمل عليها بشكل مفرد او جماعي وبحسب ثقافة العامل بها وثقافة المتلقي ومن هنا ابتدأت رحلة لاختراق افكار المقابل بالسؤال والنقاش وصولاً لدرء افكار خاطئة وتبني جديدة سواء لدى الداعي أم المتلقي فمن يأتي بالبرهان له حق افتراش واقع جديد.
ولما كان التعامل مع العامة فلقد غدا هذا المنطلق خطرا وربما كان الخطر يستحق المجازفة لو انه قد اثمر عن نتائج طيبة غير ان اغلب العقول قد اوصدت ابوابها باحكام على افكارها وتضمر الحقد لكل من يحاول حتى طرق تلك الابواب وهنا كان لابد من انسحاب اخر لنقطة اخرى !! فلماذا لا نبدأ من مناطق نضمن فيها عدم انفصال الراس عن الجسد !! وليس خوفا ً من هذه النتيجة التي طالت ريحانة رسول الله (ص ) وانما لايماننا بان هذه النتيجة تستحق العمل بها في حالة واحدة عندما تكون بعدها ثورة اعلامية لمبادىء الاسلام كما كان الطف مسرحا ً لعروض المظلومية الابدية فكانت تضحية حصدت قلوب الناس تضامناً مع تلك المظلومية هذا جانب ومن جانب اخر احتياج اخواننا للاصلاح كمنطلق اولى للعمل به .
وها انا ذا على ابواب نقطة جديدة سرعان ما صدمها واقع افكار الكبار ولانقول من المستحيل وانما من الصعب تطويعها لتقبل الجديد خاصة اذا كانت عقلية عراقية اشتهرت بالعناد المستميت!! وهنا تحديداً سئمت خط الانطلاق وبت ابحث عن نقطة الصفر المطلق !! ولم اجد سوى النشىء الجديد فهم اللبنة التي تستحق ان تتركز عندها الجهود كي لا تحيد عن الدرب على اقل تقدير ومن ثم صقل المواهب العالية منها لخدمة المذهب والمجتمع من خلال الايمان بالمبادى التي كان لابد من ان تكون من البديهيات وليس من المستحيلات التي نستقتل للوصول لها وزرعها في عقول الصغار الذين هالهم الوضع الذي يعيشون .
قررت ان اكون معلمة عسى ان يسحبني عالم الاطفال والشابات اليافعات عن التفكير بواقعنا المؤلم الذي جعل للدمعة مستقراً في مقلتي فضحكاتهن تملا قلبي سرورا وقطار الاطفال السريع متراصفين الواحد خلف الاخر وايديهم على اكتاف بعضهم لحظة تستحق التأمل فأطفالنا يستندون الواحد على الاخر بدون ان يتسابقون في الادوار لانهم يعلمون ان القطار كله سيصل الى مبتغاه وليس للدور أي اهمية !! بعكس عالم الكبار الذين غرسوا السكاكين في ظهور بعضهم وتدافعوا حد ان القطار ربما سينحرف عن سكته وليخسر الجميع .
غير ان ابواب مدرستي الجميلة لم تقف بوجه تيار الطائفية ومفردات القتل الذان اخترقا ابواب بيوتنا ولم تنجو منه مدارسنا فلقد فاجتئني تلميذة صغيرة قائلة ( ست صدك ..... مو زين ) مشيرة الى شخصية معروفة قد تلقفت اسمها من الافواه، لم اعرف ما اجيبها فلقد الهاني الالتفات يمينا وشمالا خوفا من ان يسمعها احد ويؤذي اهلها وربت على ظهرها سريعاً طالبة منها الاهتمام بدروسها !!!! .
وفي كل درس احضره وزميلاتي المدرسات لابد لطالباتنا من ربط واقعنا المؤلم بالدرس فان كان الحديث عن المقذوفات في الفيزياء تجد من تنبري للسؤال عن الهاون وزوايا انطلاقه وان كان في الكيمياء وجاءت سيرة حامض النتريك تجد من تخبر زميلاتها بانه ان هذا الحامض هو حامض صدام الذي يستخدمه لصهر الابرياء !!! وان كان تاريخ او جغرافيا فحدث ولا حرج فاعمال هولاكو متواضعة امام ما نراه !! وجغرافية البلد وموارده صارت مبكى كل متباكي ، كما اخبرتنا مدرسة مادة الاسلامية بأن هناك من تتذمر من خطبة عمر ولا تحفظها والعكس صحيح !! غير ان سؤال طالبة لزميلاتها اثناء درس اللغة العربية عن الشاعر امرىء القيس فيما لو كان سني ام شيعي ؟!!!!! سؤال ينفجر له المقابل ضحكا والماً بذات الوقت فالى أي نقطة وصل تفكيرنا ربما ارادت هذه الطالبة التاكد من مذهبية الشاعر ومن ثم تقرر ان تحفظ او لا !!!!!!!!!.
الى هنا اقف عند استعراض هذه الحالة دون الخوض في الطرق والاساليب التي يعتمدها من يشعر بالمسؤولية من المدرسين تجاه هكذا اشكاليلات والتي سوف يخصص لها سلسلة من المقالات اذا ما وفقنا الله لذلك فهو موضوع شائك ومهم جدا ويمس كل بيت عراقي في الخارج والداخل ، فهل نكذب على اطفالنا بنفي مفهوم الطائفية ونحن نعيشه ونؤمن به كواقع بدون ان يكون سكينا ً نذبح به بعضنا ؟ ام اننا سنلتزم الصمت لنخسر الجيل الجديد الذي شيشيب على معاناة اليتم التي لا نستطيع انكارها ؟ هذا ما سيكون محور المقالات اللاحقة حيث ان تحديد الخطا لايساوي شيئا ان لم ترسم الخطط لحله كذا هذا الامر لايساوي شيئا ان لم يطبق .
شكر لكل من علق على المقالة السابقة واشكر سؤالهم عنا كما اتقدم لهم بالاعتذار ان شعروا من جانبنا بالتاخير في ان نكون في خدمتهم ونسالهم الدعاء واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد واله الطيبين الطاهرين .
اختكم المهندسة بغداد
https://telegram.me/buratha