( بقلم : طالب الوحيلي )
يوم قرر احد الملوك في غابر الزمان اختبار ذكاء وزيره، أعطاه شاة بعد ان وزنها ،وأمره بإعادتها إليه بعد ستة اشهر على ان لايزيد وزنها ولا ينقص ،فتحير الرجل بامره ان قدم لها العلف تسمن وان قطعه منها تموت ،وحين علمت ابنته بالامر اشارت عليه بالحل ،والحل ببساطه ان يربط ذئبا صغيرا أمام تلك الشاة طيلة تلك المدة ،وفي الموعد المقرر دقق ذلك الملك بوزن الشاة فوجده كما هو ،الى اخر الحكاية ..
الحكاية من وجهة نظر نفسية يمكن تقويمها على ان الحياة لاطعم ولا قيمة للاشياء فيها مادامت محاطة بالخوف والقتل والموت المستمر،بل وحتى لو البس الانسان تاجا من ذهب وهو يعلم بمصيره المحتوم فان ذلك لا يغير فيه شيئا ،فيما يتحول زاده الى ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع بسبب دوامة الخوف ،وقد عاش المواطن العراقي ازمنة لا مثيل لها من الرعب وانتظار نهاياته الغير سعيدة في جبهات القتال الظالمة او في السجون او دهاليز الامن والمخابرات والاستخبارات والمحارق او الدفن الجماعي ،ناهيك عن الحرمان الحقيقي من كل ملاذ الحياة التي تبيحها الخيرات والثروات التي حبى الله بها العراق ..
وبعد سقوط النظام البائد ،كان لابد للمواطن العراقي ان يعيش احلام اليقظة وتتجسد أمامه قيم الانتصار على طاغيةالعصر وانهيار مملكة ظلمه والانفلات من اقفاصه والخلاص من ذئابه التي استرقت طعم الحياة من افواه الجائعين لها ، واغتصبت منهم أفراحهم وأحلامهم وآمالهم ،وحريتهم في الرأي والعقيدة.لكن معادلة خوف اخرى جاءت لتحكم الواقع العراقي ،وهي بتجذرها وامتداداتها تجعل الناظر اليها يسقط عليها اكثر من سبب او رد فعل او نتيجة لتلك الهجمة الإرهابية البشعة التي طالت الجميع دون اي استثناء ،مما ادى الى اختطاف عوامل الفرح والسعادة التي كان ينبغي ان تحل في الوسط الشعبي العراقي بعد تلك الانتصارات الباهرة في الانتخابات العامة وتاسيس الدستور وقيام الحكومة المنتخبة التي تظهر للعالم مدى شعبيتها وارتباطها الصميمي بالشعب وبمعاناته وهواجسه،ساعية لبذل كل طاقاتها ومعطياتها الخلاقة لكي يشعر المواطن العراقي بعمومه بمدى التغيير الجذري بين سياستين او مرحلتين تاريخيتين شهدهما العراق.
لا احد يستطيع الجزم بمصدرية الارهاب ما لم يقرنه بالقوى الداعمة والحاضنة والمروجة له والمحرضة عليه ،وكل ذلك لا يخرج عن مفهوم الانتقام من الشعب العراقي بعد ان تخلص من منظومة الحكم المستمدة من نمطية الزمن العربي الاغبر ،ومن مفهوم إشاعة فلسفة الحرمان التي وجدت لها ملاذ في مغاور واعماق الرعب من الزمر الارهابية ومن الاضطرار الى اللجوء للقوة المفرطة مما يصيب شررها الابرياء قبل الضالعين بالجرائم البشعة او المتلبسين بها .
بوادر الخلاص من الارهاب تتسع وتشمل الكثير من الاماكن التي كانت موبوءة بالقتل ،وقد لاحت في الافق بشائر استتباب الامن وسيادة القانون والنظام ،وبذلك يمكن ان نقول ان الزمان القادم سيكون ميقات للخصب والانطلاق لحياة مزدهرة وما تحفل به من مشاريع وثورات اقتصادية و عمرانية وثقافية وغيرها ،فضلا عن تناقص الجدوى من بقاء القوات الاجنبية التي اقترنت هي الاخرى بجدولة تطور قوات الامن الوطني وانحسار الارهاب ،وفي هذا الحين بالذات لا بد من استثمار كل حالات التقدم باتجاه سيادة القانون والقضاء استثمارا لا يغتفر فيه النكوص او التراجع مادمنا في سباق مع الزمن ،وما دامت ادران الماضي لم تقتلع تماما ،فاستحقاقات العملية السياسية كانت قد تاثرت بالتصعيد الارهابي ،مما وضعها في دوامة المزايدات والاصطفافات التي حاول البعض اسباغ صفة الطائفية عليها ،فادى ذلك الى اضعاف الدور الوظيفي والخدمي لبعض الوزارات والمؤسسات وهي تكاد تخضع تماما للاجندات السياسية دون النظر الى الانتماء الوطني والشعبي وما يعنيه ذلك من امانة لا يمكن لاحد خيانتها ،لذا فان على الحكومة والقوى الساندة لها ان تعيد النظر في الكثير من الحلقات الضعيفة اذ لا تستطيع تحمل ضغط ووزن القاطرة المتقدمة باتجاه حسم الكثير من الملفات التي ينتظرها الشارع العراقي بفارغ الصبر...
https://telegram.me/buratha