( بقلم : كريم النوري )
عاد سماحة السيد الحكيم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي وزعيم الائتلاف العراقي الى ارض الوطن يوم امس بعد رحلة علاجية تكللت بالنجاح بفضل الله وبركة دعاء المؤمنين في العراق الجريح.عودة سماحة السيد الحكيم وحضوره وسط اهله وابناء وطنه يبعث على الاطمئنان والثقة ويضخ في العملية السياسية روح التجديد والحيوية والامل.
شعور جميع العراقيين بكل مكوناتهم السياسية والدينية والمذهبية والعرقية بالثقة والامل بعودة سماحته الى ارض الوطن لا ياتي من رؤية سطحية او نظرة مزاجية بل هذا الشعور نابع عن حقائق ميدانية افرزها الواقع العراقي وكرستها التجربة الاخيرة لاداء السياسيين في العملية السياسية فأن اهتمامات القيادات السياسية والدينية لمختلف المكونات العراقية بعودته تؤكد اهمية وتأثير شخصية السيد الحكيم على مجمل الوضع السياسي العراقي وبشكل ايجابي.
الشخصيات السياسية لمختلف المكونات العراقية تنظر الى شخص السيد الحكيم نظرة متميزة ومختلفة عن طبيعة الصراع السياسي الدائر في البلاد وهي تلمس بشخصيته وتتحسس المزيد من المصداقية والواقعية والتوازن فهو- بحسب نظرتها وقراءتها- الحكيم العاقل الذي لا يتعصب او ينفعل وهو القائد الذي يقف مع ابناء شعبه بمسافات واحدة ينصر المظلومين بكل انتماءاتهم وينتصر للحق ولا تأخذه في الله لومة لائم فهو لا يتزمت برغم تمسكه بالحق والمبادىء وينفتح بقدر ما تمليه عليه مساحات التسامح والحوار وهو يتصلب للدين والثوابت بلا تعصب او تحزب يفعل ما يقول ويقول ما يفعل ولا يجاري او يداري على حساب المظلومين. وبالتأكيد ان هناك من لا يعجبه حضور الحكيم في الميدان السياسي وهناك من لا يريد للعراق ان ينعم بقادته ورجاله الافذاذ وهذه الاسباب هي التي تعزز اعجابنا بالسيد الحكيم. ولا يمكن ان ينسجم اعجابنا به مع امتعاضهم من حضوره الفاعل في الميدان العراقي.
السيد عبد العزيز الحكيم لم يمتلك كل هذه الثقة والثقل بالحضور السياسي من فراغ او من مصادفة خلقتها غفلة الزمن بل صنعته المحنة وربته المرجعية الدينية العليا وافرزته الاحداث الصعبة في الزمن الصعب وهو من عائلة علمية مضحية جادت للاسلام بمدادها ودمائها.
آل الحكيم كانوا ومازالوا مشروع وعي وشهادة للوطن وهم لم يرثوا من هذه الارض الا المقابر الجماعية لكواكب هذه العائلة المجتهدة المجاهدة فقدموا للوطن كل ما يمتلكون والجود بالنفس اقصى غاية الجود. هذه العائلة المضحية لم تصنعه الاحداث او الظروف بل صنعتها المحنة والدماء والجهاد والاجتهاد فقدمت للوطن كل شىء ولم تحصل على أي شىء من حطام الدنيا حتى لم يمتلك بعض شهدائها العلماء فسحة قبر في هذه الارض المترامية الاطرف فالجميع يتذكر الشهيد الفقيه المجاهد السيد مهدي الحكيم الذي طالته يد الغدر والمكر البعثي في الخرطوم عام 1987 بعد حضور مؤتمر فكرياً فقد استشهد وهو في ارض الغربة ولم يحصل على فسحة قبر في ارض الرافدين.
وهذه العائلة الكريمة برغم اندكاكها بالعلم والمعرفة والجد والاجتهاد الا انها لم تترك الجهاد والعمل السياسي فكان شهيد المحراب اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم العضد المفدى للسيد الشهيد محمد باقر الصدر وقف معه في محنته وثورته الفكرية ولم ولن يتخلى عنه برغم تهديدات الاعداء واراجيف المغرضين.
وفي حصار الشهيد الصدر في سنوات المحنة وايام الاقامة الجبرية كان السيد عبد العزيز الحكيم يتواصل معه غير آبه بالحشود الامنية المحيطة بمكتب المفكر الاسلامي السيد الشهيد محمد باقر الصدر. واستطاع الاتصال بالسيد الشهيد محمد باقر الصدر في تلك اللحظات العصيبة والصعبة عن طرق ذكية ابتكرها في وقت يستطيع ان يبتكر الاعذار والتبريرات وهو معذور في كل الاحوال اذا استطاع التماس هذه التبريرات لكنه ابى الا ان يرضى ضميره ويبرىء ذمته في نصرة الصدر المظلوم. كان بالامكان استحضار الاعذار بالتخلي عن السيد الشهيد محمد باقر الصدر وهو في اقامته الجبرية وقد لا يلام كثيراً لو اقنع نفسه بهذه الاعذار فوقف معه في حياته ومحنته ولم يتاجر بمواقفه بعد شهادته بل تكتم على ذلك اخلاصاً لله ووفاءاً للشهيد السعيد محمد باقر الصدر.
ومن هنا فان هذا الحضور المتميز للسيد الحكيم في الميدان السياسي جاء من تراكمات التجربة والتضحيات ومن عمق المحنة والمخاضات ومن نتاج الواقع والمستجدات. ما يميز السيد الحكيم انه لا يرغب في تشخيص الاعراض والامراض السياسية في الساحة بل يضع في مقابل ذلك تصوراته الحلول والعلاجات الصائبة فان تشخيص الظاهرة سهل ويسير ولكن علاجها صعب وعسير.
السيد الحكيم يتعاطى مع اصعب ملفات العالم سخونه وصعوبة وهو الملف العراقي وهو ملف غاية في التعقيد لم يوفر لممارسيه الا خيارات احلاها مر وصعب بل احياناً يجد نفسه بين خيارين بين ما هو كارثي وبين ما هو بغيض فيختار الاخير رغماً عن رغبته وارادته بل يرى ذلك هو جزء من تكليفه الشرعي والوطني. لا يحب المزايدات والادعاءات برغم انه ما يمتلكه من امكانات وقدرات تفوق كل الادعاءات لكنه يحب الواقعية والموضوعية حتى لو كلفته المزيد من منحه للاخرين فرصة التشويش والتشويه لانه يعتقد ان في نهاية المطاف لا يصح الا الصحيح ويعتقد كذلك ان الكثير قد تهزهم الشعارات والمزايدات لكنهم سرعان ما يخضعون لقوة الحقيقة ونبض الواقع ويعترفون بخطأهم ومصداقية السيد الحكيم.
وكان يلاحظ في قراءته المتبصرة للاحداث الاهم من المهم والاقل مفسدة من الاكثر فليس يتفاعل مع كل الخيارات المطروحة بل يحاول التفحص وملاحظة كل زوايا القضية المراد علاجها لانه يعتقد ان الحكيم او العاقل ليس الذي يعرف الخير من الشر بل العاقل الذي يعرف خير الشرين كما يقول جده امير المؤمنين(عليه السلام)
https://telegram.me/buratha