( بقلم : عبد الكريم الجيزاني )
ذكرتني مقالة الدكتور أياد علاوي رئيس الوزراء الاسبق التي نشرتها النيويورك تايمز في الثاني من تشرين الثاني الماضي تحت عنوان( كيف اخرت الانتخابات سير الديمقراطية في العراق)، والتي تضمنت مغالطات طالما كان يستهجنها هو عندما كان على رأس السلطة التنفيذية في العراق حين تصدر من اخرين في انتقاداتهم اللاذعة لأداء حكومته آنذاك ذكرتني هذه المقالة بحادثة قريبة جداً مما طرحه السيد علاوي في مقالته هذه، وهي ان احد الاصدقاء كان (كريم عين) تزوج من امرأة جميلة جداً كانت محط انظار اصدقائه فيما كان هو محل حسد منهم مما شكل لديه العديد من الهواجس التي اثارت فيه الخوف من المستقبل دون ان ترتكب المرأة أي خطأ فقام بعد شهرين من زواجهما بتطليقها فأثار بذلك استغراب اصدقائه وعندما سئل عن السبب لم يجد ذريعة يتذرع بها سوى انه قال (وجدت بين كتفيها كتلة من الشعر)فكرهت ذلك. لو سلمنا جدلاً وعلى سبيل الفرض وعلى قاعدة (فرض المحال ليس بمحال) ان نظام الانتخابات لم يكن مثالياً جداً وهو دون مستوى الطموح، فلماذا اشترك فيها واشرك معه العديد من الشخصيات المناضلة والوطنية المعروفة على الساحة العراقية. ألم يكن الاجدر ان يقاطعها ويثبت ما يراه مناسباً لتغيير آلياتها وانظمتها التي جاءت في واقعها تأسيساً على قوانين شرعتها الجمعية الوطنية والذي كان هو عضواً فاعلاً فيها؟! أليس من المنطقي ان لا يشترك في عملية يعتقد انها لا تلبي طموحاته ويضحي بمستقبله السياسي ويراهن عليه، أم ان نتائج الانتخابات التي اجمعت الكيانات العراقية على عدالتها ونظافتها وشفافيتها جاءت على غير ما تشتهي سفنه؟! ورغم هذا وذاك فقد اشتركت هيئات دولية ومراقبون دوليون في تقييم نتائجها وجاءت مطابقة في اغلبها مع هذه النتائج باستثناء بعض المناطق التي كانت ساخنة وتحت الارهاب الذي تقوم به عصابات القاعدة التكفيرية وبقايا النظام البائد فالغيت العديد من صناديق الاقتراع المشكوك في أمرها مما جذر ورسخ ديمقراطية هذه الانتخابات التي كان يحلو للبعض ان يسمها بـ(الثورة البنفسجية) وهي بلا شك تجربة رائدة على طريق تحقيق الحلم الديمقراطي بعد اعوام من الاستبداد والظلم والقهر والدكتاتورية والانظمة الشمولية البغيضة التي صادرت حرية الرأي بشكل تعسفي وفرضت الأمر الواقع على ابناء الشعب العراقي في التصويت القسري لـ(القائد الضرورة).
الذي يريد ان يدافع عن الديمقراطية عليه ان يستحضر التجارب الديمقراطية الثلاث في انتخابات الجمعية الوطنية التي انتجت أول دستور دائم للبلاد والتصويت عليه ثم اجراء الانتخابات الاخيرة في كانون الثاني من عام 2005 والتي من ثمارها تشكيل مجلس النواب العراقي وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية والسيد علاوي وقائمته الوطنية العراقية هم اعضاء في هذين التشكيلين، هذه الممارسات الديمقراطية جرت تحت تساقط الصواريخ والهاونات وبين الاحزمة الناسفة والمفخخات والاغتيالات السياسية إلاّ ان هذه العمليات الاجرامية لم تحد من عزم العراقيين التواقين لممارسة المبدأ الديمقراطي والاشتراك في هذه الممارسة التي حرموا منها على مدى عقود طويلة من الزمن. ان من الانصاف ان نذكر ان السيد علاوي كان من الناشطين المعارضين المحسوبين على الخط القومي العربي، لكن للأسف ومنذ خسارته للسلطة بعملية ديمقراطية انتخابية عكس وصوله اليها ذهب السيد علاوي الى اعتماد مبدأ الطعن والتشكيك بكل العملية السياسية وانجازاتها الباهرة مما أثار استغراب كل المجاهدين والمناضلين العراقيين اذ ساعد هذا الرجل في طعونه هذه الى فتح ثغرات سواء بقصد او بدونه لينفذ منها اعداء العراق واعداء الشعب العراقي ممن راهنوا على العودة الى المعادلة الظالمة السابقة وممارساتها الوحشية بحق ابناء شعبه ووطنه. وكنا نتمنى ان يكون ما جاء بمقالة السيد علاوي نقداً يستند الى لغة النقد لا الى منطق النسف والطعن والتشكيك بأهم عملية ديمقراطية انتخابية عرفتها المنطقة وليس العراق فقط وهنا لابد من التأكيد من انه ليس من حق أي سياسي ان يطالب بأكثر من استحقاقه الانتخابي فهذه النتيجة التي اختارها ابناء الشعب العراقي وهم احرار في اختياراتهم هي المحصلة الاكيدة لكل الاثقال على الارض، وربما يمكن القول لو ان النتائج جاءت على وفق ما يطمح اليه ويتمناه لكتب والله اعلم ان الانتخابات قد رسخت وجذرت الديمقراطية في العراق بدلاً عن مقالته (كيف اخرت الانتخابات). ان من الديمقراطية ان نرضى جميع الاطراف عندما نخوض انتخابات حرة ونزيهة وشفافة بالنتائج التي تفرزها صناديق الاقتراع فهي الحكم وهي الفيصل، ومن الديمقراطية ايضاً ان يغادر السياسي المنصف موقعه ومنصبه الذي عجز عن تثبيته بهذا المبدأ أمام منافسيه، فالعملية برمتها هي منافسة شريفة والاعتراف بنتائجها وما يتمخض عنها من نتائج تزيد الخاسرين فيها احتراماً، علماً بأن قائمته غير خاسرة وهي من القوائم ذات الحضور القوي في العملية السياسية والبرلمان والحكومة.
اما ان يوجه النقد الهدام واللاذع بعد الخسارة فهي لا تساوي اكثر من (هرطقة) كلامية لا تقدم ولا تؤخر شيئاً مهما علت الاصوات ومهما يثار من غبار لان الحقيقة هي نور ساطع كالشمس لا يمكن تغطيتها بغربال كما يقول المثل الدارج. واخيراً نسجل للمرة الثانية أسفنا لما استبطنته هذه المقالة من مغالطات وما احتوته من مصادرة لحرية الفكر والاختيار فيما نتمنى ان يقف الجميع مع حقوق الشعب العراقي والاصطفاف معه في نيل مكتسباته وتحقيق اهدافه النبيلة والعادلة.
https://telegram.me/buratha