( بقلم : المهندس محمد علي الاعرجي )
بعد سقوط نظام صدام عام 2003 واحتلال العراق من قبل القوات الأمريكية ظهرت إلى الوجود قناة فضائية باسم قناة الحرة واتخذت من الحصان العربي رمزا لها دلالة على تحررها واستقلاليتها وكونها غير خاضعة لجهة معينة وأنها تحمل رسالة إعلامية إنسانية محايدة.
وفي خضم الكم الهائل من الفضائيات العراقية والعربية التي وجدت من مآسي العراقيين مادة دسمة تتصدر نشراتها الإخبارية، وكاميراتها تتجول في مدن وشوارع العراق دون حسيب أو رقيب بحجة حرية وشفافية الإعلام التي لم نرى من اغلبها سوى صور ضحايانا يذبحون بأيدي مجرمي القاعدة ومن لف لفهم فضلا عن البرامج التافهة، كانت قناة الحرة مع بعض القنوات القليلة الأخرى تلتزم جانب الحقيقة وتقف بالضد من أفعال تلك الزمر اللعينة .وعلى هذا الأساس بدأت هذه القناة تجذب المشاهد العراقي من خلال البرامج السياسية المباشرة ونشرة الأخبار المفصلة التي تأتيك بكل ما يدور أمام الكواليس وخلفها، ووجدنا بعض الساسة والقادة العسكريين تروق لهم التصريحات أمام كاميرا قناة الحرة أكثر من قناة العراقية الرسمية !
ولا يثير ذلك عجبنا فقد وجدنا قسم من أولئك لا يتورع من الظهور على شاشة قناة الجزيرة تاركين البسطاء يتساءلون عن معنى مقاطعة هذه القناة، ولا ادري هل بسطاؤنا يعلمون أن للجزيرة مكتبا فخما في عاصمة كردستان عراقهم (أربيل) أم لا!!! علما إن مقاطعتنا الصورية لقناة الجزيرة ساهمت مساهمة فعالة في اتساع شهرة هذه القناة وازدياد الحملة الرعناء والشرسة علينا من قبل أدعياء العروبة الذين أعمى الله قلوبهم قبل عيونهم متوهمين ان الجزيرة ترفع راية العروبة والإسلام، ولم لا فالجزيرة عند حسن ضن هؤلاء دائما وتراعي مشاعر العرب ولا تجرحها فهي لم تنقل زيارة (شمعون بيريز) إلى قطر يوم 31/1/2007 ولم تشر إلى ذلك مطلقا في كافة نشراتها الإخبارية، كما غاب هذا الخبر عن (عاجل) الجزيرة وشريط أخبارها أسفل الشاشة وكذلك عن موقعهم على شبكة الانترنيت، وبذلك يوحي القائمون على هذه القناة (لمحبيهم السذج) أن هذه الزيارة عار على دولة قطر ويتحمل هذا العار حاكم قطر وحده وأنها أي الجزيرة مؤسسة إعلامية مستقلة وغير خاضعة لرؤية الأمير !!!
وخلال المرحلة الانتقالية وبالذات وزارة الدكتور أياد علاوي لعبت الحرة دورا مهما في دعم العملية السياسية وتسليط الضوء على أفعال الحكومة وأداءها الذي يصب في صالح المواطن والتخفيف عن معاناته حصرا دون التطرق إلى السلبيات المصاحبة لذلك الأداء، كما لا ننسى إنها أي الحرة استطاعت أن تحوز على رضا الأغلبية المقهورة من الشعب العراقي عندما قدمت برامج وثائقية تدين الأعمال الإجرامية وانتهاكات حقوق الإنسان إبان الحكم الصدامي الأسود .
ولكن بعد وصول الدكتور إبراهيم الجعفري لرئاسة الحكومة، حصل تحول وبدرجة ملفته للنظر في الخطاب الإعلامي للحرة فأمست بعض برامجها وتقارير مراسليها لا تحمل روح التفاؤل والأمل بل العكس، فالمشاكل السياسية والتناحر الطائفي وجدت طريقها إلى شاشة الحرة واخذ أسلوبها هذا يتصاعد وبشكل خط بياني حتى إذا ما وصلنا إلى الانتخابات التي تمخض عنها البرلمان والحكومة والدستور حصل التغيير التام ولبست الحرة قناعا جديدا وأخذت تبتعد عن دعم العملية السياسية وقامت بتأهيل الأشخاص المناوئين للحكومة وتقديمهم على أساس المعارضين أو المهمشين أو الطاعنين بنزاهة الانتخابات، وقد تبين لاحقا ارتباط البعض منهم بالإرهاب التكفيري الصدامي .
والمتابع الآن لبرامج (بين النهرين وساعة حرة وبالعراقي وسبعة أيام ) يجد السهام الحادة مصوبة نحو الأداء الحكومي، فيخلص إلى نتيجة واحدة هي أن البلد عبارة عن مفخخات وأزمات للأمن والخدمات والوقود وغيرها مما يفقد الأمل لدى المشاهد ويجعله يؤمن أن العراق مقبل على مرحلة تغيير قسري أو انقلاب عسكري وهو ما يبدو واضحا وجليا بين سطور أخبار وبرامج الحرة، وعلى سبيل المثال لا الحصر كانت حلقة برنامج (سبعة أيام) المذاعة مساء يوم السبت المصادف 11/8/2007، تحمل انتقادات واضحة وقوية للأداء الحكومي وطعنت بنزاهة وشجاعة رجال الشرطة والحرس الوطني، من خلال رسالة لدكتور مجهول اسمه (محمد) فضلا عن الإساءة الواضحة التي كان ضيف الحلقة والمحلل السياسي (احمد) من مدينة نوتنبرغ يوجهها للعملية السياسية خاتما كلامه الموبوء بان الزمن في العراق هو زمن (العمائم) . والغريب أن تستضيف الحرة في احد برامجها ما يسمى بمسئول جناح حزب البعث التابع لعزة الدوري وآخر مسئول عن جناح حزب البعث التابع ليونس الأحمد !!!!!
والحرة مهما حاولت إن تتخلص من جلباب السيطرة الأمريكية وتبنيها لما تريده واشنطن فإنها لا تستطيع ذلك مطلقا وبذلك فقدت حياديتها، وأصبحت كالببغاء يردد ما يقال له، فالأمريكان يفرضون حكومة المحاصصة الطائفية والمصالحة مع الإرهابيين في العراق باسم حكومة الوحدة الوطنية ضاربين عرض الحائط نتائج الانتخابات ومتجاهلين الواقع العراقي !
في حين نجد الأمريكان يفرضون عكس ذلك في لبنان ويدعمون الأغلبية الحاكمة دون المساعدة في إقامة حكومة الوحدة الوطنية ومشاركة المعارضة فيها التي يمكن أن تنقذ لبنان من المستقبل المجهول، وهنا نجد قناة الحرة تتبنى وجهة النظر الأمريكية تلك وتقدم برامج تدعم رأي الأغلبية الحاكمة في لبنان وتتجاهل مطالب المعارضة المعتصمة وسط بيروت، أما موقف الإدارة الأمريكية من الانتخابات الفلسطينية التي أوصلت حركة حماس إلى السلطة فقد أصبح موضع سخرية العالم وانكشفت كذبة الديمقراطية الأمريكية وتبخر مشروع الشرق الأوسط الجديد قبل ولادته والحمد لله !!
وحتى تصبح الرؤية الأمريكية في العراق هي الصائبة والمعّول عليها بغض النظر عما يريده أهل هذا البلد، وسّعت قناة الحرة من نشاطها الإعلامي وبدأت البث التلفزيوني الأرضي، علما إن بعض البرامج التي تعرض من على شاشة قناة الحرة لا تصلح للبث الأرضي كما هو للبث الفضائي .. فبرامج مثل (أزرار، والمجلة السينمائية وغيرها ) تحوي لقطات ومشاهد مخلّّة بالحياء لا تتناسب والتربية الأسرية، دون تجاهل برنامج (مساواة) وما هو المراد من مثل هذه البرامج، وقد يكون القائمون على قناة الحرة غابت عنهم حقيقة أننا عراقيون وليس أمريكيون كما يصورهم برنامج (أمريكيون) الذي تقدمه قناتهم وأن لحومنا نبتت من تراب وماء هذه الأرض التي أوجدنا الله فوقها منذ الخليقة ولم نغتصب أرض الآخرين ونصادرها بقوة السلاح .
أخيرا نتمنى على إدارة قناة الحرة أن تعيد النظر في سياسة القناة وان لا تتجاهل الواقع الاجتماعي والديموغرافي في العراق خصوصا بعد فترة العمل الطويلة لهذه القناة على الأرض العراقية الساخنة .... نأمل ذلك وفي اقرب وقت حتى لا نصنفها ضمن القنوات المعادية للشعب العراقي التي لبست الأسود وأعلنت حدادها يوم إعدام الطاغية كالجزيرة والعربية .
https://telegram.me/buratha
