( بقلم : عدنان آل ردام العبيدي / رئيس تحرير صحيفة الاستقامة / رئيس اتحاد الصحفيين العراقيين )
قبل هذه الحقبة الزمنية لم يكن الشعب العراقي على معرفة بالكثير من العناوين والمصطلحات التي باتت تشكل علامات هامة وبارزة في اتجاهات تحديد الهوية العراقية السياسية الجديدة، وقد تدخل ضمن هذه الدائرة الكثير من المصطلحات الاساسية التي عاشها المواطن العراقي خلال السنوات الخمس الماضية كاصطلاحات الحكومة المؤقتة والمرحلة الانتقالية والقوائم المتعددة والقائمة الواحدة والكتل النيابية والائتلافات الحاكمة والاخرى المعارضة ومصطلح تأكيد الثقة ورديفه الآخر، سحب الثقة ونظام اللامركزية والدولة الاتحادية ومنظمات المجتمع المدني وحكومة التكنوقراط وموضوعة الفيدرالية ومشاريع تنمية الاقاليم والدول الدائنة والاخرى المانحة والفصل بين السلطات والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومفوضية النزاهة ودواوين الاوقاف الخاصة بالطوائف والمذاهب، وهيئة البث والارسال الى غير ذلك من المصطلحات التي دخلت الفقه السياسي العراقي الجديد.من هذه المصطلحات التي يصعب الاحاطة بها داخل اطار هذه النافذة ينتصب بقوة مصطلح المحكمة الاتحادية بعد ان كان العراق والعراقيون خلال الاربعين سنة الماضية لا يعرفون عدا محكمة الثورة سيئة الصيت التي تسببت بقتل وتغييب مئات الآلاف من ابناء شعبنا.
المحكمة الاتحادية باتت تشكل اليوم دعامة اساسية من دعائم التجربة السياسية العراقية الجديدة بعد ان اخذت هذه الاخيرة على عاتقها صلاحيات البت في القضايا المختلف عليها بين القوى والاحزاب والمؤسسات الرسمية.ومن خلال متابعتنا لنظام هذه المحكمة تعرفنا الى عشرات المسائل والعناوين التي كانت موضع خلاف بين الاطراف التي تقود العملية السياسية او المعارضة منها، حتى بدت قرارات المحكمة وآليات عملها وكأنها مشروع لاشاعة روح الثقافة القضائية القانونية بين الفرقاء المختلفين بلحاظ ان قرارات المحكمة باتت تجد احتراماً وقبولاً منقطع النظير بين المتحاكمين السياسيين والرسميين، وهذا ما كان سبباً دافعاً لاستحضار طبيعة صياغة ورسم القرارات التي كان يصدرها مجلس قيادة الثورة المنحل لمقارنتها بالاحكام القضائية التي تصدر عن المحكمة الاتحادية والتي بالتأكيد ستكون دائرة هذه المحكمة اوسع واشمل مما هو عليه الآن عند اقامة نظام الاقاليم والفيدراليات.
آخر ما حكمت به المحكمة الاتحادية دعوى كانت قد رفعت اليها حول صلاحيات مجالس المحافظات من قبل اكثر من طرفين حيث كان يرى احد من الفرقاء المتحاكمين بمحدودية صلاحيات مجالس المحافظات والفريق الآخر يرى عكس ذلك الا ان المحكمة ووفقاً لنظامها القضائي ومرجعيتها الدستورية حكمت لصالح الفريق الثاني وزادت بان سلطات مجالس المحافظات والمحافظين لا تنحصر فقط بما هو قائم حالياً بل ومنحها القضاء الاتحادي حق اصدار بعض التشريعات الخاصة بمحافظاتهم شرط ألا يتقاطع ذلك مع النصوص الدستورية التي تتحكم بايقاعات سير العملية السياسية في البلاد، وهذا تطور مهم واستراتيجي يؤشر على مديات الرقي التي وصلتها الدولة العراقية في ظل نظامها الاتحادي الفيدرالي الجديد وذلك ما يؤشر ايضاً على ان السلطة القضائية بدأت تستعيد دورها الذي سلبه منها نظام البعث المقيت خلال فترة تسلطه على مقدرات البلاد خلال العقود السوداء الغابرة والتي تدفعنا الان للعمل بكل جد للانتقال ببلادنا الى حضيرة الدول المتقدمة والراعية للانسان وحقوقه باعتباره يمثل القيمة العليا في منهاج دولتنا الحديثة.
https://telegram.me/buratha
