قاسم العجرش
لم تُبنَ العملية السياسية في العراق؛ تلك التي أنطلقت عقيب الخلاص، من نظام القهر والإستبداد الصدامي، على أسس سليمة، ولم يتم بناء القوى السياسية المشاركة فيها، وفقا لقواعد بناء الأحزاب المعروفة، ذلك لأنها بنيت على عجل، ورافق تلك العجالة في البناء، أمراض كثيرة، في مقدمتها عدم قدرة القوى السياسية، على بناء علاقات بينية؛ قادرة على تسيير العمل السياسي، على نحو طبيعي إيجابي.
لقد كان السعي للإستحواذ على السلطة، نظرا لإمتيازاتها اللامحدودة، سببا مباشرا لحصول خلط كبير، بين مفاهيم العلاقات السياسية البينية المعروفة، ولم يتمكن الساسة ومريديهم وأتباعهم، من التمييز بين مفردات مهمة، كالصراع والعداء والتنافس، فأختلط الحابل بالنابل، وأصبح كل عدو لبعض، وباتت النبال ترمى بكل الإتجاهات، وكانت النتيجة أن كثرت الإصابات في كل الصفوف، وكان الصف الإسلامي الشيعي بالتحديد، الأكثر تعرضا للإضرار والخسائر!
نافلة القول أن توصيف الموقف السياسي؛ لا يستند الى معطيات دائمة، وكل شيء قابل للتغير، تبعا لإشتراطات الواقع ومخرجاته، ومثلما أنه ليس في السياسة صداقات دائمة، فإنه ليست هناك عداوات دائمة، وعدو الأمس يمكن أن يكون صديق اليوم، والعكس قابل الحصول في كل زمان ومكان، ولذلك فإن على المنخرطين بالحقل السياسي، أن لا يخلطوا بين أنواع العلاقات السياسية، بين القوى التي لها وجود، على الساحة السياسية.
مع أن الأعداء السياسيين؛ هم فقط أولئك الذين ينتمون الى الضد النوعي، وأن ثمة مسافة كبيرة؛ بين مفهومي العداء السياسي والمنافسة السياسية، لكن الخلط بين المفهومين ؛هو السائد في الساحة السياسية الشيعية، وفي حالتنا الشيعية السياسية، فإن الأعداء الذين أعلنوا عدائهم للشيعة وقواهم السياسية، هم التكفيريون وما يتبعهم من قوى سياسية، حيث ترجموا عدائهم على الأرض، قتلا وإستهدافا للحياة، وتخريبا للعملية السياسية على قدم وساق.
بدرجة مقاربة، فإن القوى العلمانية؛ التي تركز في خطابها على تخطئة القوى الإسلامية، يشكلون ضدا نوعيا واضحا، وهو ضد كشر عن أنيابه مؤخرا، ويعمل على الإطاحة بالقوى الإسلامية جميعا، مع العرض أن القوى العلمانية العراقية، لم تقم بعمل بارز لمقارعة النظام الصدامي، أو العمل على الإطاحة به، بل يمكن القول، أنها كانت في حالة وفاق مع البعث الصدامي، أو على الأقل كانت مهادنة له، أو أنها قبلت بوضع السكون، وحكاية الجبهة الوطنية للشيوعيين معه، لا يمكن أن تغيب عن الأذهان، لكن في داخل صفوف العلمانية ذاتها، ثمة تنافس كبير بين الماركسيين مثلا، وبين الليبراليين.
كذا الأمر في الصف الإسلامي، وفي داخل البيت الشيعي، فإن التنافس مسألة طبيعية، بل ومحمودة الى حد كبير، لأنها ستطرح أمام الشارع الشيعي خيارات متعددة، وكلما ضاقت مساحة الإختلاف، فإن مناخا ديكتاتوريا إستبداديا هو الذي سيسود، والوسط الحي الفاعل، هو الذي يستطيع إنتاج بدائل متعددة.
وسطنا الشيعي وسط منتج وخلاق، ولنا في تعدد المرجعيات الدينية مثلا ممتازا، على قدرة التشيع ،على إنتاج مساحة مسيطر عليها للإختلاف.
سنتحول الى مذهب ميت بدون إختلاف، لذلك فإن وجود قوى سياسية شيعية متعددة، أمر مندوب بذاته، هذا هو المبدأ الأساس، في بناء بيت شيعي سياسي حي فاعل.
كلام قبل السلام: التيار الصدري وحزب الدعوة والمجلس الأعلى، وباقي القوى السياسية الشيعية، قوى سياسية متنافسة داخل البيت الشيعي، ولا صراع بين بعضها بعض، ولا يجب ان يكونوا أعداء، كما تبدو صورة اليوم..!
سلام...