المقالات

"لا تقسروا اولادكم على ادابكم فانهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"

2796 11:00:08 2016-02-18

كلام مشهور منسوب لامير المؤمنين عليه السلام وارد في "نهج البلاغة".. والكلام فيه حِكم كثيرة.. كما ان للاداب مساحات واسعة.. فهناك الاداب الدينية والصلاة واداب الاطفال واداب الكلام والسلام واللباس والطعام والفرح والحزن، ومئات القضايا غيرها.. وهنا يجب –حسب فهمنا- عدم قسر الامور على الابناء والاولاد، فقد يكون الشرح والصداقة وكسب الثقة والافهام وتفهم ظروفهم انسب من القسوة والقسر والفرض.. بل قد يكون فهم الاولاد لظروفهم وازمنتهم اقرب من فهم الاباء لها.. وهو ما يتطلب التعلم وادراك الحقائق الجديدة. وهناك مباحث طويلة في كل هذه القضايا اترك لمن هو اقدر مني الخوض فيها.

نستثمر مفهوم تغير الازمان لفهم بعض الاوضاع في واقعنا الراهن. فاذا اخذنا التغيير عام 2003، كسنة قياس.. فالحقيقة هي ان من كان عمره 12 عاماً انذاك بات عمره الان 25 عاما.. وان هذه الشريحة تشكل الجزء الاكبر من الشعب العراقي اليوم. هذه الشريحة لم يتشكل وعيها العملي ولا ذاكرتها السياسية على سنوات الحروب الكبرى مع ايران والكويت وخلال الانتفاضة واجتياح العراق.. او كردستان او الاهوار.. ولم تعش الانقلابات العسكرية وقصف الطائرات الاجنبية لبغداد ومناطق كثيرة من العراق.. ولم تعش اعتلاء المجاهدين والمناضلين اعواد المشانق وحفلات التعذيب والاغتيال والسجون.. ولم تعايش الحصار والعقوبات ومنع السفر.. وزج الشباب بعد تخرجهم من الجامعات الى جبهات القتال.... نعم هذه الشريحة شاهدت التفجيرات والانتحاريين و"القاعدة" و"داعش".. كما شاهدت العصابات المسلحة والاحتلال والتجربة الجديدة بكل فوضاها وتناقضاتها.. شاهدت الموت باشكال جديدة مخلوطاً بانتخابات وحريات عامة وانتقادات حادة للحكومة او للمسؤولين وهم يتمتعون بالامتيازات والذين كانوا قبل جيل قدوة ومثالاً لغيرهم.. شاهدت الاموال الكثيرة تنهال على البلاد تقابلها البيوت العشوائية ونقص الخدمات وارتفاع معدلات البطالة.. فنحن اليوم امام ظاهرة، كثرت فيها التناقضات والعوامل السلبية.. ظاهرة كان الضحية الاكبر فيها الشباب واجيالنا الصاعدة.. ظاهرة لا تحل بوعي او سلوك خاص من داخلها، ولا بعقل قديم من خارجها. وهو ما يسبب هذا القلق والضياع والاحباط الذي نشهده لدى قطاعات واسعة.. يقابله ارتباك من القيادات والقوى السياسية وصعوبات في فهم شعبنا وما يعاني منه.

لقد مرت بلدان عديدة بتجارب مشابهة، ولم تنجح اي منها بقسر سلوكيات سابقة على سلوكيات الظاهرة الجديدة.. لم تتقدم وتعيد اللحمة الاجتماعية، وتولد ديناميكيات التواصل بين الاجيال سوى بتشجيع تجارب جديدة ناجحة، تغري الشباب وتشدهم الى واقع جديد طموح وواعد.. يولد وعياً جديداً مسؤولاً وملتزماً.. تتولى فيه المدرسة والبيت والعلماء وبيوت العبادة والقوى السياسية ووسائل الاعلام وصناعة الراي العام دوراً متفهماً اولاً وبناءاً وايجابياً ثانياً. لم تنجح الا بالاقناع والصداقة والصبر.. لم تنجح الا باعادة تركيب الذاكرة الجمعية لتلتقط كل ايجابي من الماضي.. وبناء حاجز ضد كل شيء سلبي فيه.. لم تنجح الا بقبول بعض المخاطر والنتائج الضارة الجزئية لتحقق فوائد ونجاحات كلية. فهي لا تستطيع ان تقسر فقط ما اعتادت عليه او ما تراه صحيحاً.. فلا خطر كبير ان يستمر الناس بلباسهم الجميل وعاداتهم التقليدية، او ان يلجأوا لاستحداثات جديدة، لم تكن مقبولة سابقاً.. ولا خطر كبير ان تكون لنا عادات عشائرية تتعايش مع عادات معاصرة.. فالاهم في ذلك كله ان تبقى معاني الصلاح والاخلاق والفضيلة هي الاساس. كما لا تناقض ان يتشارك المسلمون والمسيحيون او غيرهم في افراح واتراح بعضهم، وفي ان ينزل ملايين الشباب في زيارات الاربعين، او ان يذهبوا الى المساجد والحسينيات ومجالس العزاء، او ان يحتفلوا بالسنة الجديدة او باعياد هي من عادات شعوب اخرى، فيشجع منها الايجابي وينزع منها السلبي. لا عيب، فان كان هناك من تناقض، فان الحياة ستعيد هضم كل هذه الامور في عادات جديدة تقبلها الاجيال الحالية، لتتخلى عنها اجيال لاحقة خلقت لازمان غير تلك.. فلقد حافظنا على هويتنا وديننا خلال مئات والاف السنين، وهي تنتشر اكثر من اي وقت مضى.. فلابد من الصبر وحسن التعامل وتفهم ما يجري واستيعابه، فلطالما هضم الجديد القديم، ولطالما تعلم الجديد كيف يأخذ من القديم كل صالح واصيل.

عادل عبد المهدي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك