المقالات

الامام علي (ع ) ..رمزالعدالة وصوت الحق الهادر


الحديث عن شخصية فذة كالإمام علي (ع ) يجعلك تقف حائرا امام هذا الكم الهائل من المزايا التي يتصف هذا الجبل الشامخ ليكون على مدى عمره منارا يهتدى به ونبراسا ينير الطريق للاخرين ليزيل العتمة الداكنة التي احاطت بجوانب الحياة في تلك الفترة لتحس ان هذا النبع المتدفق لايمكن الاغتراف منه لسعته وثرائه حتى في حالة اخذ الجزء اليسير منه تكون قد تهت بين ثناياه لعمقه وشموله لذا فان هذا العطاء الثر والادب الجم والتراث المتجدد مفتوحا للجميع ومنهلا لطالبي العلم والباحثين عن الحقيقة بكل اشكالها .

يعتبر الامام علي (ع ) من عظماء العرب والمسلمين قاطبة وقد اشار الى ذلك الرسول محمد ( ص ) حين قال (( والذي نفس محمد بيده لولا اني اشفق ان تقول طوائف من امتي فيك ماقالت النصارى في ابن مريم لقلت فيك مقالا لاتمر بملأ من الناس الا واخذو التراب من تحت قدميك للبركة)) ومن هذا تتبين المنزلة العظيمة التي تبواءها الامام عند الرسول وكيف كان ينظر اليه وهو الذي احتظنه بصغره ليعيش في بيت النبوة وينهل من ادابها ويشهد الرسالة منذ بداياتها ليكون اول المؤمنين بها والمدافعين عنها مضحيا بحياته من اجل نشر راية الاسلام ورفع شأنها عاليا بين الامم لدرجة انه ضحى بحياته عندما بات في فراش الرسول (ص ) بعد ان احس ان هناك خطرا يداهمه وان الاعداء مصممين على قتله ليقدم مثالا للتضحية والايثار والشجاعة الفائقة التي لاتثنيه عن مواصلة مسيرته مهما كانت المصاعب ليتخذها مسارا لسلوكة في الايام اللاحقة عند تصديه للمسؤلية بان الامانة التي في عنقه يجب الحفاظ عليها ومواصلتها مهما كانت الظروف حتى لوتطلب الامر حياته لذا فانه اعتبر مثالا ليست للمسلمين فقط وانما لكل الاحرار ومحبي العدالة والسلام وطالبي العلم من خلال تعامله مع الواقع ضمن استحقاقاته بدون مواربة ولاتزييف حيث قال الفيلسوف توماس كارليل عنه (اما علي فلا يسعنا الا ان نحبه ونتعشقه فانه فتى كبير النفس جليل القدر يفيض وجدانه رحمة وبرا ويتلظى فؤاده نجدة وحماسة وكان اشجع من ليث ولكنها شجاعة ممزوجة برقة ولطف ورأفة وحنان جدير بها فرسان الصليب في القرون الوسطى )) وهذا يدلل على مكانته لم تكن محصورة بين المسلمين فقط وانما امتدت الى دول الغرب ليكون مصدر الهام وقياس لكثير من العلماء والمفكرين والفلاسفة ياخذون من علمه ومعرفته وما تمخض عنه خياله الخصب وعبقريته التي تحولت الى انجازات رائعة استطاعت ان تبقى ساطعة في سفر الانسانية الخالدة وخاصة كتابه نهج البلاغة الذي اعتمد عليه الكثير في دراساتهم وانجازاتهم ليكون الدليل والسند الذي لايبارحونه ابدا .

لقد ذكر فضائله كثير من الادباء والمفكرين المعاصرين بعد ان فاقت شهرته زمانه لتبقى شاهدا على انجازات عصره وان تلك العبقرية استطاعت ان تبدع بما يجول حولها مما اعطاها صفة الديمومة والخلود لذا قال الاستاذ ميخائيل نعيمة عنه ((عظيم من عظماء البشرية انبتته ارض عربية ولكنها ما استاثرت به وفجر ينابيع مواهبه الاسلام لكنه ماكان للاسلام وحده ))مما يعني ان افكاره ومبادئه التي استوعبتها كتبه لم تكن حكرا على المسلمين وانما تعدتها الى كافة الاديان والطوائف وذلك لشموليتها واحتوائها على مباديء تدعوا الى المساواة والحرية والعدل واعطاء حقوق المظلومين وعدم التفريط بها ودفاعه عن الانسان باعتباره العصب الرئيسي للحياة واكد على اهمية الحاكم العادل ودوره في قيادة الامة وعدم التمييز بين المواطنين واحترام حقوق الاخرين والتعاون فيما بينهم حتى اصبحت مبادئه التي اختطها اثناء خلافته اساسا لكثير من المباديء التي تنادي لحقوق الانسان في الوقت الحا ضر وامتداد الها .

في رسالة من الاديب ميخائيل نعيمة الى الاديب جورج جرداق بمناسبة صدور كتاب (الامام علي صوت العدالة الانسانية )يقول فيها (ان عليا من عمالقة الفكر والروح والبيان في كل زمان ومكان )ان هذه الميزات التي يتحلى بها هذا العملاق العظيم هي التي جعلته ان يكون قمة بين القمم ان لم يكن اعلاها لان تنوعه وثراه جعله يغور في كل مرافق الحياة الا وتناولها بدقة فتراه يتحدث بالسياسة والتربية والتعليم والشعر وكافة المئل الانسانية الاخرى التي على تماس مع حاجات المواطنين كما تراه خطيبا بارعا وشاعر محنكا يختار كلماته بخبرة وروية ليصوغها قلائد زاهية تسطر على جيد الحسناوات ليجعلها مقبولة لجزالتها ورقتها وانسيابها كشلالات ماء هادئة لتحس انك امام شاعر عملاق انحنى امامه الشعر وحامت حوله الكلمات صاغرة طوعها بالطريقة التي يريد والمفردة التي يختار ليضمنها القيم والمباديء ويجعل شعره مملوء بالحكم والمواعظ والتاكيد على قيم الخير والعلم لانه البوابة التي نستطيع منها ان ندخل الى مانريد ونحقق مانصبوا اليه ليكون بذلك المعلم المقتدر الذي يرشدنا بالاتجاه الصحيح ويحدد المسارات التي تجعلنا نحقق مقاصدنا حيث يقول ::

ما لفضل الا لأهل العلم انهم على الهدى امن استهدى أدلاء وقيمة المرء ماقد كان يحسنه والجاهلون لاهل العلم اعداء فقم بعلم ولاتطلب به بدلا فالناس موتى واهل العلم احياء

ومن هنا يتبين دور التربية والتعليم في انشاء الجيل الواعد للمستقبل والاهمية التي اولاها الامام (ع ) لهذه المهمة الشاقة لانها الاداة التي يستطيع المجتمع من النهوض والتطور والاندفاع نحو الامام حتى يتمكن ان يجاري الامم لان اهمال هذا الجانب يجعل الحياة يسودها الظلام والانغلاق وبالتالي العودة الى حياة بدائية لانستطيع ان نصل لما نريد .

لقد اهتم بالمواطنين وسخر جهده وعمله من اجل ان يكون هناك نظام اجتماعي عادل يحمي حقوقهم ويوفر لهم ما يحتاجون من خلال محافظته على المال العام وتوزيعة بصورة متساوية لكي لايشعر احد بالغبن والاضطهاد لازالة الفروق الهائلة بين الطبقات التي قسم من الناس يعيشون في القمة من خلال استغلالهم للغيرواستحواذهم على الخيرات وهبات بيت المال وكافة المساعدات التي يحصلون عليها واخرين يعيشون محرومين من كل شيء لايجدون مايسد رمقهم ويتضورون جوعا بانتظار رحمة الباري بعد ان منعت عنهم اعمال البشر مايسد رمقهم لدرجة انه يتصرف بماله وطعامه ليعطيه للمحتاجين لكي لايشعر ان هناك من يريد شيء ولايتوفر له لذا نراه قد عين من الناس الثقاة والمقربين مسؤلين عن بيت المال حتى لاتضيع الحقوق ولاتهدر المبالغ حيث كان يقول ((أبيت مبطانا ولعل رجلا باليمامة او الحجاز من لاعهد له بالقرص ولاطمع له بالشبع ))ليدلل بذلك ان المزايا التي يجب ان يتمتع بها القائد هو حرصه المتواصل على رعيته ومتابعة احوالهم وبالتالي السهر على توفير كل مايحتاجونه لان تلك من المسؤليات الجسام التي تقع على عاتقه لغرض تادية الرسالة الانسانية المفروضة عليه والتي جاء من اجلها .لذا علينا ان ناخذ من تلك الدروس العبر التي تجعل منا نحافظ على المال العام والتصرف به بشكل يكفل استغلاله ليؤدي مهمتهة الاساسية وهي توفير الاحتاجات الضرورية للمواطنين وعدم تبذيره بالطريقة التي تجري في الوقت الحاضر حيث نلاحظ الهدر المتواصل لموارد الدولة والسرقات المنظمة التي تجري والاختلاسات التي تحدث والمشاريع الوهمية التي تنفذ وغيرها من العمليات اللاخلاقية التي يجري التخطيط لها لكي يتم تفريغ الدولة من محتواها وبالتالي يكون الضحية المواطن المسكين الذي لايجد مايوفر له سوى الوعود التي مل منها واخذ يضيق ذرعا لما يجري لكنه لايملك القدرة على عمل شيء بعد ان تمكنت عصابات منظمة من ان تستولي على كثير من الاماكن الحساسة مما جعلها تقوم بما يحلو لها بدون رقيب ولا حساب حتى من يقف في طريقها فان مصيره الموت ليزرعوا الخوف على كل العناصر الشريفة التي لاتقبل بما يجري.

ان مناداة الامام بالعدالة الاجتماعية والمساواة باعتبار العدل هو الذي يصون المجتمع ويحميه ويهب السلام والامن والطمانينة والاستقرارلذا ساوى بين المسلمين جميعا ولم يميز بينهم مطلقا فكان يعطف على اهل الذمة ولايفرق بين العرب والموالي .و في مجلسه بالمسجد الكبير طيفا من مختلف الشعوب والالوان وكان بينهم يهتم بالبساطة والتواضع لايشعربانه حاكم وانما واحد منهم حيث كان يجوب الاسواق يسأل عنهم ينفقد احوالهم يشاركهم همومهم ومشاكلهم ويقدم لهم ما يحتاجون بقدر المستطاع من ماله الخاص وكان يقضي معظم وقته عند شخص اسمه ميثم ألتمار حتى انه اذا غاب لقضاء حاجة يبيع التمر نيابة عنه لذا اثارت مساواته هذه غيض كثير من ضعاف النفوس والذين تضررت مصالحهم ليثيروا الفتن ويحيكوا الدسائس ويقوموا بعمليات التحريض وشراء الذمم من اجل اثارة الفوضى وعدم الاستقرارفاستغلو البسطاء لهذه الغاية لانهم يجرون وراء رؤساء قبائلهم والرؤساء يميلون لمن يعطيهم المال ولايهمهم ان يكون منهوبا او مغتصبا كما ان المجتمع في زمنه كان قبليا بدويا وكان رئيس القبيلة هو الذي يسيربها حيث يشاء وكثير ما ينساق الافراد وراء رؤسائهم نحو ما يضرهم وهم لا يعلمون حتى وصف الامام الناس في عهده حين قال (( الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة والباقي همج رعاع ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح )) لكن الامام ماض في سيره لا تاخذه بالحق لومة لائم طالما انه يحارب الجور والاضطهاد والتفرقة والمطالبة بتقسيم عادل للثروات منطلقا من ان الظلم طريق ضيق لايصل بصاحبه الى ما يريد حتى انه جاء اليه مجموعة من اصحابه يشيرون اليه ان يقرب رؤساء القوم واشراف قريش ويغدق عليهم بالمال والعطايا من اجل كسبهم لصفه وضمان عدم التحريض عليه لكنه رفض ذلك الامر لانه يعتبره خيانة للامانة فقال لهم (اتامرونني ان اطلب النصر بالجور ) فتوحدت قوى الشر والظلام وحاكت في غفلة من الزمن مؤامرة لايقاف هذا الصوت الناطق بالحق واسكاته بعدما عجزوا من الوقوف امامه بشتى الوسائل والطرق الخبيثة فما كان منهم الا ان سلطوا عليه المجرم القاتل عبد الرحمن بن ملجم لياخذه على حين غرة وهو قائم في محراب الصلاة ليضربه على راسه بالسيف ليهتف الامام قائلا ((فزت ورب الكعبة )) منهيا بذلك مسيرة متواصلة من العطاء والخير وصفحة ناصعة لم تستطع ان تنال منها السنين لتبقى ترفرف عاليا لانه كان المثل الاعلى للحاكم الملتزم بالعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان في تلك الفترة .

لتكن خاتمة ماقاله جبران خليل جبران عندما وصف الامام علي (ع ) بقوله ::(( في عقيدتي ان الامام علي ابن ابي طالب هو اول عربي لازم الروح الكلية وجاورها وسامرها وهو اول عربي تناولت شفتاه صدى اغانيها فرددها على قوم لم يسمعوا بمثلها من قبل فتاه بين مناهج بلاغته وظلمات ماضيهم من اعجب بها كان موثوقا بالفطرة ومن خاصمه كان من ابناء الجاهلية مات علي بن ابي طالب شهيد عظمته مات والصلاة بين شفتيه مات وفي قلبه الشوق الى ربه مات قبل ان يبلغ العالم رسالته كاملة وافية غير انني اتمثله مبتسما قبل ان يغمض عينيه عن هذه الارض مات شان جميع الانبياء والباصرين الذين لم ياتون الى بلد ليس بلدهم والى قوم ليس بقومهم في زمن ليس بزمنهم ولكن لربك شانا في ذلك وهو اعلم )) .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك