قاسم العجرش
كتب كثيرون عن بداية اختلاف الأمة؛ وضعوا التاريخ في إناء، ثم عجنوه ليتكيف بين أيديهم مثلما أرادوا، مع أو ضد، ولم يتركوا لنا تأريخا بلا موقف، لكن ثمة أسئلة ألهية بقيت بلا إجابة، عند الفريق الأكبر من الأمة، ومن هناك تأسس الإختلاف!
لاشك أن الفترة؛ التي بدأت باستشهاد الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام، والتي انتهت باستشهاد أخوه ووزيره، أمير المؤمنين علي عليه السلام، والتي يسميها جمهرة من المسلمين، بفترة الخلافة الراشدة، تعتبر من الفترات التأسيسية في التاريخ.
في خلال هذه السنوات القليلة، تأسس وربما الى الأبد واقع الاختلاف، الذي نما وتطور الى ما نحن عليه اليوم، ومع أننا لا نعلم الى أين سينتهي، في الآفاق الزمانية التي ندركها، لكن القدر المتيقن؛ أن زمنا (يرونه بعيدا ونراه قريبا...) سيشهد تغييرا جذريا وحاسما؛ سينهض به الإمام المنتظر "عج"...
لا شك أن وقائع تلك الفترة، هي التي صاغت الفكر السياسي؛ لكل الفرق الإسلامية بلا استثناء، تلك الفترة التأسيسية بالتاريخ، جرى تقديسها زمانا ومكانا لدى المسلمين، وأتخذ التقديس هنا منزلته ،بصرف النظر عن الجوهر لدى الجمهرة التي أشرنا إليها، والتي امتدت بنيتها الى يومنا هذا.
لقد شكلت أغلب ما لدى القوم من بضاعة في هذه السوق، وليس بمبالغة أن نقول: إن ما لديهم اليوم؛ ليس إلا رجع صدى لتلك الأيام، رسخت في عقولهم وعقول أحفادهم الباطنة، وغلبت على بؤر شعورهم، رغم بقائها في هوامشها، فتحولت الى مناهج وسلوك..
مشكلة الاختلاف نشأت إذًاً؛ من تقديس التاريخ، وعدم إخضاعه للنقد، في أي مرحلة من مراحله..وكلما تعتق التاريخ؛ تكتسب نصوصه قدسية أضافية بالتعتيق، كأنه خمور الأديرة، لا تستمد جودتها لدى الرهبان إلا بتعتيقه.
التاريخ سلعة؛ والسلع المستعملة العتيقة، تكون أرخص ثمنا من السلع الجديدة، لكن سلعة التاريخ تخضع لمعيار مقلوب، فإنه كلما تقادمت مورثاته ازدادت قيمتها مع شحوبها...
تتعقد مشكلة فهم التاريخ التأسيسي، بانقسام مثقفي الجمهرة إياها الى فئتين: فئة مطلعة على التفاصيل إطلاع القاريء الدارس، كنموذج أمثل غير خاضع للنقض، وهو يعتقد قدسية أحداث وشخوص تلك الفترة، عن وعي وإدراك وتصميم، فيذب عنها بربع أو ثلث علم، وفئة أخرى "تسمع" أو "تقرأ"، فتردد مفردات النموذج بلا وعي .
ومثلما هو بائن، فإن أي من كلتا الفئتين؛ تسوقه العاطفة في موقفه وتصرفه وشعوره، توجهه بلا جماح مكبوحة؛ قداسة غير حقيقية، لشخوص وحوادث الجيل الأول، بعد استشهاد المؤسس الأعظم..وبالمناسبة حتى استشهاده موضع اختلاف، فهم يعتقدون وفاته..فيما النص الإلهي يصفه بالشهيد!
في قصة عاشوراء وملحمة الطف وما جرى فيها،فإن مقتضى إنصاف النفس؛ إذا أرادوا أن ينصفوها فعلا ، أن يكبحوا جماح عاطفتهم، وينزعوا القداسة الزائفة، عن تلك الأيام ووقائعها، ويتناولوها بطريقة الباحثين عن الحقيقة بعيون الحق، وسيتوصلون حتما الى نتائج، تخالف ما توصل إليه "السلف"، الذي كان تحت التخدير الموضعي بالمال الأموي، والى يومنا هذا..!
كلام قبل السلام: (أفلا تعقلون..) (أفلا تنظرون..) (أفلا يتدبرون..)..أسئلة إلهية مكتوبة في امتحان الإيمان، أهملت عاطفة القوم الإجابة عنها، وبدوا وكأنهم غير معنيين بها..!.
سلام...
https://telegram.me/buratha