المقالات

من رحم الكعبة ولدت الكوفة

1583 2015-05-07

لحظة لقاء السماء والتأريخ بالأرض، هي تلك اللحظة التي قرر فيها، الإمام علي (عليه السلام) إعلان الكوفة، عاصمة للدولة الإسلامية، ومن هنا بدأت رحلة الأعوام الأربعة، التي أثمرت وأزهرت أربعة عشر قرناً، من دولة العدل الإلهي. في العام السادس والثلاثون للهجرة، أبان تسلم الإمام علي (عليه السلام) الخلافة، ونتيجة للظروف السياسية المعقدة في المدينة المنورة، أتجه أمير المؤمنين صوب الكوفة، وأعلنها عاصمة لدولته المباركة.

يتوارد على العقل سؤال عن أسباب، مغادرته (عليه السلام) للعاصمة الأم (المدينة المنورة)، خصوصاً وأنها مدينة رسول الحق (صلواته تعالى عليه)، ألا أن معرفة الأسباب تبطل العجب، فعبقرية الأمام ودرايته وتسديده الإلهي، جعلته ينأى عن المدينة لأسباب نورد منها:-

أولاً: الكثافة السكانية القليلة نسبياً مع ما تتمتع به الكوفة، وهنا لم يجد الأمام بدّ من مواجهة التحديات بجيش قادر على تجاوزها.

ثانياً: لم يكن كل أهل المدينة وبالخصوص وجهاءها، مع خلافته (عليه السلام) لذلك وجد بالكوفة مركزاً، يواجه من داخلها الأخطار المتوقعة.

ثالثاً: الطبيعة المجتمعية في العراق، وحداثة الإسلام فيه، مما يؤهل المنطقة على أستقبال الشرعية الجديدة. على خلاف المدينة ورجالها، وتمركز أعداء الأمام في مراكز قيادية متقدمة.

مما سبق الإشارة أليه، تجد الإستراتيجية السياسية والعسكرية حاضرة، وهي التي ساعدت ألإمام في الحفاظ على الثوابت الإلهية، وتجديد عصر الرسول الأكرم (صلواته تعالى عليه)، في خطط مدروسة ومحسوسة، على سبيل الذكر لا الحصر نسرد منها:-

أولاٍ: تجديد المثال النبوي في الحكم، وإزالة صور الإنحراف المختلفة التي طرأت على الحياة الإسلامية.

ثانياً: تجاوزه (عليه السلام) عن موضوعة أغتصاب الخلافة، المنصوص بالأمر الإلهي "يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك" [المائدة:67]، والبدء بإعادة النظام السياسي الحقيقي للإسلام.

ثالثاً: مغايرته لأسلوب الحاكم الموروث سابقاً، من الذي أرتضاه سابقيه بقوله لجمع الناس، "وأعلموا أني أن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ لقول القائل وعتب العاتب"، [نهج البلاغة:92].

رابعاً: أرساء القواعد العامة لأختيار ممثليه في الولايات الإسلامية، محذراً من البخيل والجاهل والجافي والمرتشي والمعطل للسنة.

خامسا: الإصلاح الإقتصادي وإعادة توزيع المال، مترفعاً عن التمييز بين المسلمين على أساس الجنس واللون والعرق، [فإن عندنا مالاً نقسمه فيكم، ولا يتخلفن أحد منكم عربي ولا عجمي، كان من أهل العطاء أو لم يكن، إذا كان مسلماً حراً] [نهج البلاغة:38].

سادساً: تصديه (عليه السلام) للناكثين والقاسطين والمارقين، ممن أرادوا بالإسلام سوءاً، تحقيقاً لأمر الرسول الأكرم (صلواته تعالى عليه)، كما جاء عن أبو أيوب الأنصاري.. (أمر الرسول (ص) علي بن أبي طالب (ع) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين) [مستدرك الحاكم: الحديث4674].
مما ذكر تتجلى الحقائق والأحداث، التي رسمت فيها الكوفة الطريق الأصوب لتحقيق العدالة الإلهية، ترسخ المفاهيم والقيم التي أقرها رسول الإنسانية (صلواته تعالى عليه).

الكم الكبير من الأحاديث المحرفة، ورواة الحديث المأجورين، والطغيان الذي مارسه الأمويين والعباسيين، وذلك التشويه والسب والشتم، كل هذا وذاك لم يأخذ من مكانة الكوفة شيئا، ولم يطفأ نورها الذي أختار الحق سبيلا.
ذاك لأنها ولدت بعلي ومن علي ولعلي (عليه أفضل الصلاة والسلام)، ولأنها مرسى سفينة نوح وغصة حوت يونس (عليهما السلام).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك