المقالات

سياسة التقشف.. نظرة أخرى


يشهد العراق اليوم أزمة اقتصادية حادة تنذر بأيام وشهور وقد تكون سنوات عجاف هي بالحقيقة نتيجة لسنوات من التيه الاقتصادي وارتباك السياسات المالية والنقدية التي أورثت عجوزات متراكمة ومدورة في الموازنة المالية، إضافة إلى ذلك بقاء الاقتصاد العراقي ريعياً وباتجاه مطرد نحو (الريعية) والاعتماد التام على عائدات النفط الذي يشكل أكثر من (95%)من مجمل صادرات البلد، مما أدى إلى وقوف الاقتصاد العراقي على أرض هشة تتغور وتتأثر تبعاً لتقلبات أسعار أسواق النفط العالمية، وفي علم الإقتصاد لا يمكن حل المشكلة الاقتصادية بطريقة الفتوى أو التجريب أو الاستحداث دون الرجوع للحلول الاقتصادية العلمية المسلم بها، ولعل سياسات التقشف هي إحدى الحلول لمعالجة العجز في الموازنات شريطة أن تكون بشرطها وشروطها لا بطريقة (الذرعة)

فمن الضروري جداً الأخذ بنظر الاعتبار نسب معدلات الفقر، ونسب معدلات البطالة، وحجم الطبقة الوسطى من السكان،خصوصا إذا ما سلَّـمنا أن تطبيق هذه السياسة هي سلاح ذو حدين إذا ما استخدم عشوائياً وتعسفياً، فزيادة الضرائب ـ مثلاً ـ لابدَّ أن تكون خاضعة لدراسة واقعية لتحقق إيرادات عامة للدولة دون الدفع باتجاه زيادة نسب معدلات الفقر والبطالة، أومثلاً خفض الإنفاق الحكومي،فالعراق، على سبيل المثال، هو بالإساس يعاني من قلة وشحة الخدمات الحكومية وفي عدة قطاعات كــ( الصحة، والتعليم، والطاقة، والزراعة، والصناعة ..... الخ )

وهذه لابدَّ أن تؤخذ بنظر الاعتبار أيضاً عند تطبيق سياسة التقشف، بعبارة أخرى لا يمكن تخفيض شيء وهو أصلاً يعاني من انخفاض،وإذا ما تم ذلك، فلنتصور حجم السخط الشعبي الذي سينتج عنه الفوضى والتصادم،وبالتالي العنف والدخول في مشكلة كبرى في البلد، ومن معرفة المعطيات في واقعنا العراقي نجد أن الحلول تتجه مباشرة نحو كاهل طبقة ذوي الدخول المتوسطة فما دون في حين أن ثقل الموازنة يكمن في حجم الرواتب والامتيازات التي تتمتع بها الرئاسات الثلاث وأعضاؤها ونوابهاووزراؤها ووكلاؤها ومديروها العامون وكبار قادة الجيش والشرطة والحمايات وبعض موظفي الدوائر والهيئات الرئاسية التي لابدَّ من إعادة النظر بحجم ما تستهلكه من أموال الخزينة العامة وبغطاء قانوني هي في الحقيقة نفقات غير ضرورية وهدر مستمر للأموال ما انفك من ابتلاع الأموال المتحصلة عن طريق رواتب ومخصصات وأجور إيفادات وسلف وغيرها،وبالحقيقة إن فقرة الإدخار الإجباري ما هي إلا حركة مجاملة لا أكثر، فهي لا ترمي إلى حل تعضيدي في سبيل نجاح سياسة التقشف المزمع تطبيقها،ولو تخيلنا كم سيكون حجم الوفورات المالية التي تتحصلها الخزينة العامة، إذاما تم تقليص تلك الرواتب والامتيازات مع فقرة الضرائب، هذا من جانب، ومن جانب آخر إن أمام الحكومة فرصة جيدة لرسم وتطبيق سياسة ترشيد الاستهلاك عن طريق وضع معايير للسلع والخدمات المستوردة ووفق حاجة السوق المحلية الفعلية وتفعيل برامج الاكتفاء الذاتي من خلال دعم القطاع الزراعي على أقل تقديرو شجيعه؛لسد الاحتياج المحلي من المواد الغذائية ومن ثم الشروع بخطة عمل شاملة للنهوض بالقطاع الصناعي عن طريق توجيه الاستثمارات نحو هذا القطاع المعطل منذ أكثر من ثلاثة عقود .

من هذا المرور السريع على حجم المشكلة الاقتصادية في العراق نجد أن من الضرورة أن نخرج من الصفة الريعية لاقتصادنا من خلال إيجاد البدائل المتنوعة وتفعيلها كمصدر إضافي من مصادر الدخل القومي، فنموذج الإقتصاديات الخليجية الريعية وتحديداً السعودي على سبيل المثال بدأ بخوض تحديات كبيرة منذ سنوات؛ لأجل الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المعرفي ووفق خطط ودراسات منتظمة وذلك بعد أن أدركوا حتمية الخروج من نمط الاقتصاد المتكئ على النفط الذي بات لايؤمن الرفاهية المنشودة لمجتمعاتهم الطامحة للإنتاجية والربحية لا مستهلكة ريعية، وكما هو الحال أيضاً في المملكة المغربية التي تنظم مسودة إصلاحات اقتصادية تهدف إلى تصفية الريع والاتجاه بدفة الاقتصاد نحو الإنتاج وزيادة تنويع مصادر الدخل القومي، إذاً الفرصة سانحة إذا صدقت نوايانا وبسياسة تقشف عادلةدون الإيغال في سحق طبقات المجتمع نستطيع أن نجتاز مشكلة العجز ومن ثم فتح آفاق جديدة؛ لتأسيس مناخ نقي لاقتصاد إنتاجي معرفي قادر على تحقيق التنمية وبتالي الرفاهية التي هي الهدف المنشود لكل المجتمعات في العام .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك