قاسم العجرش
الوجه الحقيقي للفيدرالية أو الإتحادية، وقبلها اللامركزية، أنها مسميات لها جامع واحد، فهي منهج حكم مضاد لمركزية الحكم!
ما هو ضد الشيء؛ يعني أنه مخالف له ولأطروحته، بمعنى آخر: أن الخيارين لا يلتقيان أبدا، فأما الحكم المركزي، أو الفيدرالي، وليس بينهما بين!
المشكلة في العراق الجديد، أنه وجد نفسه ممزقا بين الخيارين، فالحكم المركزي نظام ترغب به الإدارات، لأنه يشعرها والعاملين فيها، أنهم اقوى من الإدارات الفرعية، وأن أبناء المحافظات ومسؤوليها، "أتباع" للمؤسسات المركزية، وأن الموظف في مؤسسات المركز، أعلى مرتبة من العاملين في الفروع!
هذا الشعور؛ نتاج لعقلية الإستحواذ والهيمنة والأبوية، التي طبعت الإدارات المركزية!
الحكم المركزي مطلوب في البدايات الأولى للدولة، وهو علاج لمشكلات البناء والتمويل، وضبط الحدود وإنشاء الإدارات، وتوفير الجهد البشري، سيما في حالات عدم توفر الكفاءات والنخب، القادرة على إدارة الأطراف، ولأن سنة التطور؛ تحتاج الي ذلك النوع من الحكم.
الحقيقة أننا جربنا الحكم المركزي، قرابة قرن من الزمان، بالقبضة المركزية الشديدة، لكن وبرغم تعودنا وتدبغ جلودنا على سياطه! فإننا أكتشفنا ـ متأخرين ـ أنه نظام ظالم كل الظلم، وان العدالة فيه شبه مفقودة، وأنه نتاج لعقلية القوي يأكل فيها الضعيف، ولذلك تمكنت فئات سكانية، من أن تهيمن على مقدرات وقرارفئات أخرى، وتستحوذ على ثرواتهم أيضا!
وحينما حانت ساعة التغيير، فإن الفئات المستحوذة، وجدت أنها ستخسر الإستحواذ ومردواته، ولذلك فإنها تقاوم التغيير بقوة، ومن بين وسائلها القوة. مثلما هو حاصل الآن!
بالمقابل فإن الفيدرالية تغدو خيارا لا بد منه، في علاج كثير من الأسقام، فهو دواء إداري ناجع في حالة إتساع الدولة وترامي أطرافها، كما انه أداة ثقافية في حالة التباين الثقافي، لكنها لها نتائجها التي يجب معرفتها إبتداءا، وفي مقدمتها أنها توطئة لبناء دول جديدة!
بين حالة الحكم المركزي الثقيل، والفيدرالية التي يخشاها كثير منا، ثمة مرحلتين يمكن السير بهما ردحا من الزمن، ريثما تتشكل صور أخرى للإدارة، ربما ليس بمقدورنا أن نفكر بها راهنا.
المرحلة الأولى هي مرحلة الحكم المحلي، بصلاحيات تنفيذية ومالية وإدارية، تمكن أبناء الأطراف من تسيير أمورهم، دون الحاجة الى المركز إلا بالمشاريع والتصرفات، التي تهم عموم سكان البلاد، ودون أن تكون لديهم القدرة على التشريع، لكن لهم إمكانية وضع "أنظمة" محلية، تختص بما يلائمهم، ومعلوم أن ثمة فرق كبير بين التشريعات وبين الأنظمة والتعليمات، التي لا تكتسب قوة التشريع، وهي ملزمة لبقية السكان في حيزها المكاني.
المرحلة الثانية هي مرحلة الحكم اللامركزي، هذه هي التي يجب أن نسير على وفقها، لأنها ستخلصنا من الأغطية الثقيلة، وتعطي الأطراف سلطات واسعة، لكنها تحافظ على وحدة البلد وسيادته، وتشعر إبناء الأطراف بأن قرارهم بيدهم، وأن بإمكانهم تسيير أمورهم بنفسهم، شريطة أن يكون لهم نصيب"مهم" في مواردهم، لا أن يركضون والعشاء خباز!
كلام قبل السلام: يعني؛ أقل من الفيدرالية وأكثر من الحكم المحلي، وبعيدة بمسافة كبيرة عن الحكم المركزي..!
سلام..
https://telegram.me/buratha