قاسم العجرش
كنت في الجرف قبل يومين، ذاك الجرف الذي تكسر صخره، فبات جرف نصر، وهناك رافقني بيتين من الشعر، الأول لعنترة بن شداد، ذاك الفارس العبسي الذي أنكره أبوه، وهو من قصيدته المشهورة التي مطلعها: دهتْني صروفُ الدّهر وانْتَشب الغَدْرُ، فيقول فيها البيت الذي مضى مثلا منذ قرابة ألفي عام: سيذْكُرني قَومي إذا الخيْلُ أقْبلت وفي الليلةِ الظلماءِ يفتقدُ البدر.
البيت الثاني الذي قرع رأسي في الجرف، قائله الشاعر الفارس الشيعي أبو فراس الحمداني، ضمن قصيدته التي مطلعها: أراكَ عـصـيَّ الـدَّمْـعِ شيـمَـتُـكَ الـصَّـبْـرُ، فيقول فيها: سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر..
بين عنترة وأبي فراس الحمداني زمن طويل، لكنهما تحدثا عن إفتقاد البدر في الليلة الظلماء!
هي الليلة الظلماء إذن ما جمع الزمنين، وما يجمعهما بزمننا هذا، زمننا الذي وصف ظلما بأنه زمن أغبر، فيما هو بالحقيقة زمن التحولات الكبرى، ولا يمكن أن يكون زمنا أغبرا، وكيف يكون أغبرا، ونحن نشهد هذه الإستجابة الرائعة، وتدافع الرجال منكبا على منكب، ملبين دعوة المرجعية القائدة للجهاد، فتزاحموا نحو الموت، لا يبالون إن وقع عليهم أم وقعوا عليه..
زمننا زمن الجرف، حيث كان البدر، وحيث تصقل فيه معادن الرجال، ففي الجرف رأيت عشاق الشهادة، من قدماء المجاهدين وأبنائهم، يزاحمون السكك ليحفظوا مجدهم ،الذي حاولت شرذمة من عشاق المال والكراسي، تشويهه وطمس معالمه الزاخرة بالثراء، وشتان ما بين عشقين، عشق الشهادة وعشق المال الكرسي، ذاك يقود الى العلا، حيث رضا الرحمن في عليين، وهذا يقود الى الحضيض، حيث مزابل التاريخ، تتلقف كل عتل زنيم..
زمن الجرف زمن الرجال؛ الذين لا يبحثون عن ثمن لتضحياتهم دفاعا عن مقدساتنا، ولا مقابلا عن كرامتنا، التي باعها بثمن بخس، أصحاب الأوسمة والأنواط ،والنياشين العسكرية والنجوم اللامعة، وهم لا يريدون ثمنا، لأن آباءهم لم يطلبوا مقابلا على تضحياتهم، يوم قارعوا جبروت الطغيان الصدامي، ومرغوا كبريائه بوحل الجبايش وهور صلين، وغدران جزيرة الرفاعي، وسهوب شرق ميسان..
زمن الجرف زمن صناع التاريخ، وليس زمن سراقه، والمجاهدين يقفون اليوم على تخوم تكريت، وخلفهم قبة سامراء الذهبية، يغلفونها بشغافات قلوبهم، ومصول دمائهم.
في هذا الزمن البهي، دخل المجاهدين مغارات القاعدة، في جبال حمرين وهضابها، و هم الساعة يتجولون بحرية وثقة بالنفس، في مناطق مثلث الموت وعامرية الفلوجة واللطيفية، تلك المناطق التي لم يدخلها الجيش العراقي منذ سنوات طويلة، فتحولت الى عش دبابير، تلسع منها بغداد كل يوم، بأكثر من خمسة عشر مفخخة.
زمننا زمن يمحى به عار هزيمة الفاسدين المتخاذلين، الذين كان عديدهم أكثر من نصف مليون مقاتل، تركوا نصف العراق لقمة سائغة بيد بضعة آلاف من الدواعش.
كلام قبل السلام: الماحون هم كتاب حزب الله، وتشكيلات منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، وسرايا عاشوراء، وسرايا السلام، ولواء أبو الفضل العباس، وسرايا العقيدة، وأفواج الجهاد والبناء، ومعذرة ممن لم يتسع المقال لذكرهم.
سلام..
https://telegram.me/buratha