قاسم العجرش
تفقد الديمقراطية معناها، عندما يفقد المتعاملين بآلياتهتا بوصلتهم، فيتخذون قراراتهم، ويحددون مساراتهم، لا على أساس رؤى وتفكير، بل عندما يتصرفون على أساس غرائزهم.
الغرائز في أغلب الأحيان مكتسبة من المحيط، أو تتولد نتيجة الخضوع لإشتراطات القطيع، يتصرفون على أساسها، كوسيلة من وسائل بناء نظام سياسي، ليس على أساس بناء دولة، بل على أساس المكونات!
المكونات، سيما الأقل عددا منها؛ ليست كالقطعان التائهة، وإنما هناك مجال محدد تتحرك فيه، وهذا المجال يحدده لهم الغير، أي بمعنى آخر؛ أن ثمة موجه خارجي، يجعل العناصر الخارجية تطغى على الداخلية، و بذلك يفقد المكون والمواطن إرادته وحريته.
يفقد المواطنين سويتهم الإنسانية، وبالتالي وطنيتهم؛ عندما تستولي عليهم مشاعر المرارة، والحاجة إلى التعويض عما هو مفقود، فيرتمون في أحضان القبلية والإقليمية والطائفية، مما يؤدي إلى فقدانهم فرديتهم وقابليتهم للتفكير المستقل، ويصبح الإنتماء الوطني نوع من الوهم.
لهذا لا غرابة أن تسيطر الأوهام وتستولي على السياسة، فحينما يصبح الهم الأكبر للساسة، خدمة العناصر الخارجية، وتنفيذ مشاريعها وأجنداتها، بتزاوج مع نزعة جمع المال والثروة، يحدث إقتران قوي ما بين السلطة والجاه والثروة، وتوظف لتلبية النزعات الشريرة.
في حالتنا؛ لا بد من الإعتراف أن لدينا أزمة دولة، وأزمة علاقة بين الدولة والمجتمع، وبين السلطة والمجتمع، وأزمة بين مكونات المجتمع الإثنية والإقليمية، تطغى عليها الحلول التي تفتقد الى العقلانية، بل وتنزع نحو الشر كخيار أوحد، مثلما يحصل اليوم من نشاط إرهابي واسع النطاق.
الحقيقة الأمر من المرارة نفسها، أن العمل السياسي في العراق، أنتج فسادا مركبا من الفساد المالي والسياسي والإداري، وكانت الدولة الأب الذي أنطفه.
إذ وحيث يعتبر الفساد لصيقاً بالسلطة، وحيث يسهل المناخ العام تفشيه وتحوله إلى ظاهرة عامة، وإذ لا يعود أحد يخجل من ممارسته علناً، ولتحمي السلطة نفسها، تلجأُ لإفساد كبار رجال الدولة، وقادة الرأي العام من قادة الأحزاب والمؤسسات المدنية، والإعلامية ورجال الدين الخ، بالمال والإمتيازات، ويصبح هدف السلطة والنخب التابعة، ليس مصلحة الوطن، بل الحفاظ على ما بيدهم من سلطة، لأن السلطة تضمن الحفاظ على إستمرارية مصالحهم.
كلام قبل السلام: تصادمات المصالح، ستجعلنا نلعن الديمقراطية وأبيها وأبي من جلبها لنا!
سلام...
https://telegram.me/buratha