المقالات

علي (ع)...الانسان


نــــــــــــــزار حيدر

ان عظمة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام تتجلى في إنسانيته اولا وقبل اي شيء آخر، فلقد علمه رسول الله (ص) وأدبه ورباه، فصنع منه الانسان الذي خلقه الله تعالى فأحسن خلقه.
تعالوا اذن، في ذكرى ولادته الميمونة في الثالث عشر من شهر رجب الاصب، نتعلم منه كيف نصنع الانسان، ونبدأ بانفسنا اولا، فيكون كل واحد منا إنسانا اولا، فالإنسانية هي القاسم المشترك بين من خلق الله عز وجل، اما الدين والمذهب والعنصر واللون والجنس والعلم وغير ذلك من المعايير، فلا تصلح لان تكون عاملا للتعارف والتعايش والتعاون.
مشكلتنا، اننا اي شيء ما عدا الانسان، فترانا نحتكر الحقيقة وكأننا ظل الله في الارض، ونحتقر الاخر اذا ما اختلف معنا في دين او مذهب او ما أشبه، ويقتل بعضنا البعض الاخر اذا ما جهل احدنا حقيقة الاخر او شكك بنواياه او طعن بولاءاته.

اذا لم نعد الى معيار الانسان فلن تقوم لنا قائمة، فلقد خلق الله تعالى اول ما خلق الانسان، ولم يخلق المتدين مثلا او الملحد او ما الى ذلك، فلماذا ننقلب على خلق الله تعالى بحثا عن معايير اخرى؟ لماذا لا نثق بما خلق الله تعالى (الانسان) لنحقق التعارف والتعايش الذي أمرنا الله تعالى به؟.

لقد تحدث القران الكريم عن هذا المعيار بقوله {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} بعدها عرض الأمانة (المسؤولية) على الخلق فحملها الانسان كما في قوله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} ثم رسم له الهدف بعد ان حدد له طريقين ليختار ما يشاء بكامل إرادته، فقال تعالى {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} وقوله تعالى {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} واخيرا حذره من الحساب العسير، فقال تعالى {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا} فلولا الحرية التي منحها الله تعالى لهذا الانسان، خاصة حرية الاختيار، لما تحمل المسؤولية وبالتالي لما حاسبه الله تعالى على خياراته، ولذلك يمكن القول بان واحدة من اعظم ما جعل الله تعالى لخلقه (الانسان) هو الحرية، فالإنسان بلا حرية حيوان، ولهذا السبب قال امير المؤمنين عليه السلام {لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا} فانسانية الانسان تقاس بحريته.

ان من يعبد الدنيا، فيقتل الاخر من اجل سلطة او برميل نفط او حفنة من الدولارات او لتحقيق أفكار ومناهج مريضة تعلمه ان قتل الانسان يبعث به الى الجنة لحضور مأدبة عشاء مع رسول الله (ص) ان مثل هذا المخلوق لا يجوز ان نسميه إنسانا ابدا، فالإنسان هو الذي يحب لنفسه ما يحب لغيره ويكره له ما يكره لها.

وإذا اردنا ان نتبع اثر امير المؤمنين (ع) فعلينا ان نتعامل مع علي عليه السلام (الانسان) اولا وقبل كل شيء، فسيكون بهذا المعنى للناس كافة، وليس لدين دون اخر او لمذهب دون اخر، وان الامام (الانسان) يتجلى في القيم والمفاهيم الانسانية العظيمة التالية:
اولا: ان نتعامل مع الجميع بأحد نظرتين لا ثالث لهما {فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ}.

ثانيا: ان نتحدث عن واجباتنا وحقوق الآخرين {أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً، وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ:
فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ: فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ، وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا، وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْما تَعْلَمُوا.
وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ: فَالوَفَاءُ بِالبَيْعَةِ، وَالنَّصِيحَةُ في الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ، وَالاِْجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ، وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ}.

ثالثا: ان نجعل من انفسنا ميزانا في العلاقة مع الاخر {يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ}.
رابعا: ان نتعامل برقة ورافة وعطف مع الآخرين {وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ}.

خامسا: ان لا نحتكر الحقيقة ابدا {وَلاَ تُخَالِطُونِي بالْمُصَانَعَةِ، وَلاَ تَظُنّوا بِيَ اسْتِثْقَالاً فِي حَقّ قِيلَ لِي، وَلاَ الْتمَاسَ إِعْظَام لِنَفْسِي، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوْ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ.

فَلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَالة بِحَقّ، أَوْ مَشُورَة بِعَدْل، فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِىءَ، وَلاَ آمَنُ ذلِكَ مِنْ فِعْلِي، إِلاَّ أَنْ يَكْفِيَ اللهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي}.
سادسا: تقديم الصالح العام على كل المصالح الخاصة، بعيدا عن القشريّة والتحجج بالدين والواجب والحق الالهي {فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلاَن يُبَايِعُونَهُ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الاْسْلاَمِ، يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دِينِ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله) فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الاْسْلاَمَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّام قَلاَئِلَ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ، كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ، فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الاْحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ، وَاطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهَ}.
فليكن الواحد منا (إنسانا) وبعد ذلك فليكن ما يشاء، فلا يهم كثيرا، فمهمة الرسل والأنبياء صناعة (الانسان) اولا.
مايس (أيار) 
للتواصل:
E-mail: nhaidar@hotmail. com
Face Book: Nazar Haidar 
WhatsApp & Viber: + 1 (804) 837-3920

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك