المقالات

شاهد الخلق... وسبّح الخالق


حسن الهاشمي

قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ (الأعراف 54).لماذا خلق الله تعالى السماوات والأرض في ستة أيام، وهو قادر على أن يقول للشيء كن فيكون؟! قبل الإجابة على هذا التساؤل لابد من معرفة إن الأيام التي جاءت في الآية المباركة لا تعني بالضرورة اليوم المتداول عندنا في الحسابات الدنيوية وهي (24) ساعة في اليوم الواحد، بل يمكن أن يكون حقبة زمنية معينة، كقوله تعالى وهو يصف يوم القيامة: (وإنَّ يوماً عندَ ربِّكَ كَألفِ سنةٍ ممَّا تَعُدُّون). (الحج الآية 47) ، وأيضا قول الإمام علي عليه السلام: (الدهر يومان يوم لك ويوم عليك) بهذا المعنى يفسر اليوم بالحقبة الزمنية كأن يكون سنة واحدة أو عقد أو قرن من الزمن وهكذا، فالأيام في الآية المباركة هي إذن حقبة زمنية قد تمتد إلى عشرات أو مئات أو آلاف من السنين علمها عند الله تعالى. والآن نرجع للإجابة عن السؤال السابق، فإيجاد الخلق عبر مراحل زمنية يبين ويثبت عظمة الخالق تعالى، فهي عند الذي يقف إزاء مراحل نشوئه أعظم من الذي يرى المرحلة النهائية من الخلق السوي؛ لأن مراحل النشوء في الانسان مثلا من نطفة وعلقة ومضغة فإنسان سوي تبين وتوضح لنا الدقة في تركيبة الانسان بخلاف ما إذا خُلق الانسان دفعة واحدة فإنها لا تبين تلك العظمة المكنونة في مراحل التكوين، ومن هذا المنطلق قال تعالى في سورة المؤمنون آية 12 و 13 و 14 : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. وهذا نظير الإنسان العادي عندما ينظر إلى جهاز التلفاز وهو في حلته الأخيرة فنظرته هذه تختلف عن نظرة المهندس الذي يعلم ما مر به من تقنيات وصناعات وجهد من مهندسين وفنيين وعمال وأدوات وآلات ومكائن، حتى وصل إلى حالته الأخيرة الأنيقة المعروضة في الأسواق، فالمهندس نظرته علمية مهنية تقييمية بخلاف نظرة الانسان العادي فهي بسيطة عابرة استهلاكية، فالمتخصص يقيّم الجهاز ويقدّره ويعظّم مخترعه ربما أكثر من الإنسان العادي الذي يستعمله دون علم بمحتوياته ومراحل تصنيعه، لعل مراحل التصنيع والإنشاء تثبت بوضوح عظمة المخترع والخالق، وهذه إحدى أهم الحقائق في خلق السماوات والأرض في ستة أيام وليس بدفعة واحدة.أما الحقائق الأخرى فالله تعالى يريد أن يعلّم البشرية ضرورة الصبر والتأني وكذلك الإتقان والدقة في العمل، حيث إن الإنتاج إذا ما أريد له أن يكون ذا متانة وجودة، فعلى الإنسان أن يتصف بالصبر في معالجة المعوقات ووضع الحلول الناجعة لها، لا العصبية والارهاق التي تسبب في إرباك العمل وربما انهياره وفشله دون الوصول إلى النتائج المرجوة منه، وكذلك إذا ما أريد للإنتاج أن يكون متقنا ذات مواصفات عالمية مرموقة بحاجة إلى بذل المزيد من الفحوص واخضاع المنتج إلى التحليلات في المختبرات المجهزة بكافة أنواع اجهزة التقييس المركزي؛ لإضهارها بالمظهر اللائق شكلا ومضمونا وهو ما تتطلبه مراحل الجودة في الإنتاج بجميع مراحلها التقنية والجمالية. فالله تعالى بالرغم من انه قادر على خلق السماوات والأرض في طرفة عين، بيد إنه لم يفعل ذلك وهو تعليم لبني البشر على ضرورة الاتقان في العمل وهذا يتطلب منه بذل الصبر والجهد وكلاهما يتطلبان الوقت الكافي لإنجازهما، ومن هنا تأتي ضرورة وأهمية الوقت في انجاز الأمور المتقنة، لعله بات من المؤكد إن التأني والتفكر من الرحمن، والعجلة وتبسيط الأمور من الشيطان، فأيهما تنتخب فالخيار لك أيها الإنسان.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
علي البصري
2014-02-06
ان الله تعالى لاتنطبق عليه قوانين المخلوقين , ثم ان الله عز وجل لم يباشر خلق كل الاشياء بنفسه , وانما اوكل هذا الامر لخاصة خلقه فلذا قال عز وجل فلمدبرات امرا وقصد الملائكه , ثم ان الزمان والمكان انما يحكمان من كان محدودا بهما , وثانيا ان الله يأبى الا ان تجري الامور بمسبباتها فطبيعه الخلق ومحدوديته وربط نظام العلل كل هذه الامور تحتاج الى التدرج في الظهور فالعيب في القابل . اي ان عالم الخلق لايقبل الا هذه الطريق لانه محكوم بالزمان , كما ترى استحالة ان يكون العدد 4 عددا فرديا وهذا اختصار مخل .
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك