المقالات

الطفولة الملغمة في العراق


أحمد نعيم الطائي

استنجدني ذات مرة احد الاصدقاء في ولاية ميشيغان الاميركية حيث كنت اترأس تحرير احدى الصحف الاميركية العربية ، طالباً مني نشر اعلان يلتسم فيه المحامين للوقوف الى جنب عائلة عربية جاءت حديثا لاميركا تستنجد لاسترداد طفلها الذي تم اخذه من قبل شرطة المدينة لخروجه وحده للعب اما المنزل ، حيث يمنع القانون الاميركي ترك الاطفال القصر خارج المنزل او داخله دون مرافقة او ملازمة احد الابوين او المربية لهم، فضلا عن القوانين الصارمة الاخرى التي تعنى بالطفل منذ ان تدب به الحياة في بطن امه لحين تجاوزه سن القصور القانوني، كما هو الحال ايضا في دول الغرب الاوروبي.هذه العناية الفائقة والقوانين المشددة لحماية الطفولة هي التي ارست دعائم التقدم والتحضر ومصادر القوة لهذه الامم العظيمة ، التي تحضرت من خلال احترامها واهتمامها البالغ بالطفل بالشكل الذي ينظم حتى علاقة الوالدين معه ، مع توفير مرشدات للاطفال دون سن الدراسة تقوم بزيارتهم لتهيئتهم نفسيا وذهنيا للمدرسة التي تعتبر فنادق خمس نجوم ، حيث تقدم افضل وجبات الطعام الصحية وعصائر الفاكهة الطبيعية من خلال التعاقد مع الشركات المتخصصة في الاغذية وبأشراف لجان صحية متخصصة بتغذية الاطفال.استذكرت هذه المعلومات وانا اشاهد يوميا ومنذ عقود عدد كبير من اطفال العراق لاسيما الرضع تستخدمهم العصابات المنظمة في عمليات التسول بشكل ملفت للنظر ومحزن الى حد جعلني اعتصر ألماً لمنظر بعض الاطفال وهم يقفون تحت اشعة الشمس المحرقة او في اقصى درجات البرودة يتم استخدامهم في مهنة الجدية الاجبارية من قبل ذويهم او الغرباء. هنا اطرح عدة تسأؤلات على طاولات المشرعين للقوانين والمسؤولين ، اهمها كيف سيمكنكم من بناء دولة متحضرة وقوية ، وقسم كبير من اطفال العراق يمتهنون هذه المهن الخطيرة على مستقبلهم وبالتالي على مستقبل البلاد . المصيبة ان الدولة لن تعير هذه القضية الخطيرة الاهتمام الذي يتناسب وخطورتها على الرغم من تناولها من قبل وسائل الاعلام في مناسبات عدة ، فضلا عن ان هذه المشاهد الخطيرة تتكرر امام انظار المسؤولين او من خلال عرضها في وسائل الاعلام لاسيما في بغداد التي تنتشر فيها هذه المظاهر المؤسفة اكثر من غيرها دون ان يحرك احد ساكناً او يدعوا الى اجراءات عاجلة للحد من انتشار ظاهرة التسول بالاطفال التي اخذت بالاتساع مقابل تجاهل او ضعف حكومي في وضع حلول صارمة وعاجلة لها.ان القوانين الحالية تتسم بالنظرة القاصرة وغياب المعالجة الجادة لهذه الظاهرة باعتبارها غير مشددة لاترتقي الى حجم وخطورة هذه الظاهرة ، لذلك ادعو الى تشريع قوانين جديدة مع استنفار القوات الامنية لملاحقة العصابات الاجرامية التي تستغل الطفولة دون رحمة في حملات امنية منظمة بعيدة المدى من اجل حماية هذه الشريحة البريئة من الانحراف والاجرام من هنا ارى ان هناك مسؤولية وطنية وانسانية امام رئاسة الوزراء والبرلمان كونهما يمثلان السلطتين التنفيذية والتشريعية اضافة الى منظمات المجتمع المدني تتمثل بأهمية السعي الجاد والعاجل لاطلاق حملة وطنية انسانية كبرى من اجل تغليظ القوانين التي تحمي الطفولة البائسة بالبلاد لان هذه الظاهرة الخطيرة تعرقل بناء دولة متحضرة وقوية.باعتقادي ان الاهتمام بالطفولة كبنية تحتية اساسية ، هو الاساس المتين لاعداد شعب متحضر وفعال، وبدون الارتقاء والاهتمام بهذه الشريحة تعدّ كل مشاريعنا التنموية وحربنا ضد التطرف والارهاب ثانوية وفاشلة امام طفولة ملغمة تعاني من غياب او ضعف في الحماية والاهتمام الرصين المكفول بقوانين مشددة ، لان بدونها سيبقى مجتمعنا يعاني من الجهل والتخلف وتفشي الجريمة والانحراف والتطرف والارهاب ، حتى وان شيدنا أعلى ناطحة سحاب أو برج في العالم .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك