المقالات

عندما تذبح الحرية


حسن الهاشمي

خرجت صباح اليوم في قضاء حاجة من حاجات البيت، فوجدت الشارع الذي فيه حاجتي والشوارع المجاورة مغلقة بوجه السيارات إلا من الراجلة فإنها تكتظ بالبشر حتى ليتعذر المرور، والمطلون من نوافذ البنايات الشاهقة أكثر من الواقفين على الأرصفة، فكأنهم مزارع بصل، والذين على الأرض يتدافعون بالمناكب، ويشرئبون بالأعناق، وكلهم يحاول الوصول إلى مقربة من السيارة المرتقبة، وأن تكتحل عيونهم برؤية طلعته البهية، والشرطة تدفع المتجمهرين في الصف الأول إلى الوراء، ولا يندر أن تلجأ إلى العنف وأحيانا الكلمات البذيئة. ما الخبر؟ إن مسؤولا رفيع المستوى جاء المدينة زائرا، وعما قليل يمر موكبه من هنا، ذلك كل الخبر، وهذا ما قذف بتلك الجماهير من أوجارها، وأوقف دواليب أعمالها، لتحظى ولو بلمحة من رؤية طلة ذلك المسؤول الموقر!. أما أن كل واحد منهم خُلق في أحسن تقويم، وأما إنهم يحملون تاج الإسلام على رؤوسهم، وبصمات الكرامة على أبدانهم، وسحر الطيب في قلوبهم وأحشائهم، وأما أن الأجدر بهم أن يتفرجوا على أنفسهم ليل نهار قبل أن يتفرجوا على مسؤول أو بطل أو مغوار، فذلك ما لا يخطر لهم على بال، لأنهم لم ولن يصلوا إلى حقيقة: من عظم الخالق في عينه صغر ما دونه أمامه.ألا أغمضي عينيك أيتها الحرية، واخجلتاه من رسول الإنسانية، كيف تناسينا أو نسينا إن من أهم صفاته أنه يضع عنا إصرنا والأغلال التي كانت علينا، كيف ذهب عن بالنا إن رسول الرحمة قد أزاح عن صدورنا أثقال الوثنية والحقد والكره والتمييز الطبقي، وحطم أغلال العبودية والرق لغير الله تعالى إذ كان الناس وقتذاك مكبلين بها، هل هو تنصل عن قيم السماء؟! هل هو استبدال الأدنى بالأرقى؟! لا أدري وسأظل لا أدري رغما عن أنفي...أيتها الحرية المذبوحة أشيحي بوجهك عن هؤلاء، ولا تأسفي لهم، ولا تعتبي عليهم، ولا تدينيهم بجهلهم، ولا تستبشري كلما تلفظوا باطلا باسمك المقدس، فشفاههم لا تنطق بما في قلوبهم، بل هم يضمرون في قلوبهم ما ليس في شفاههم، والذي يضمرونه الشوق إلى الماضي السحيق ماضي الجاهلية التعيس، الذي يضمرونه في قلوبهم الرق في أخس مظاهره ومعانيه، رق الإنسان للإنسان.لذلك فهؤلاء الإمعة يمجدون اسم الحرية بشفاههم ويدوسون جسدها بنعالهم، ولقد رأيتهم اليوم بعيني يسحقون الحرية بأقدامهم سحقا، وسمعتهم بأذني يهتفون: ليحيى المسؤول! وأي مسؤول!... والأدهى من ذلك إنهم يصفقون له وهم يعلمون قبل غيرهم أنه يسرقهم، يخونهم، يضحك على ذقونهم، يشتري العقارات في كذا دولة بأموالهم، وهم يعيشون الأكواخ والصفيح ويدرسون تحت العراء، يا لها من مفارقة مضحكة مبكية، أنت ترى السارق وفي نفس الوقت تصفق له وتنتخبه في صناديق الإقتراع! أليس هذا معناه أنت تهتف بالحياة للرق وتهتف بالموت للحرية! فهم إذ يهتفون بحياة الرق لا يدركون أنهم بموتهم يهتفون، وهم يسيرون في موكب المسؤول لا يعرفون أنهم في جنائزهم سائرون...

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك