المقالات

وجع من بلدي (1)


( بقلم : علياء الانصاري )

من فوائد الهاتف، انه يحجب رؤية من يتحدث!! فلا تكاد تميز قسمات وجه متحدثك خاصة اذ كانت شابة يحاصرها الخوف من كل مكان.

كان صوتها مرتجف وهي تتحدث معي بلوعة توازي العنف الذي تعرضت له "لا يمكن ان تتصوري ما حدث؟ لن تستطيعي ان تنظري الى جسدها المتورم؟ يستحيل ان تتوقعي حصول ذلك".

(سين)، فتاة في الصف السادس الاعدادي تتهيأ كنظيراتها للدخول الى امتحان البكالوريا، ولانها مقبلة على الجامعة وتشجيعا من والدتها على المثابرة على القراءة ايام الامتحانات اشترت لها جهازا نقالا ستكون بحاجة اليه في الايام المقبلة عند دخولها الجامعة خاصة ان بيتهم في احدى الاقضية التابعة لمحافظة بابل مما قد يساعد الام على الاطمئنان عليها كلما ذهبت ابنتها الى مركز المحافظة وذلك حق طبيعي لكل ام.

الابن الاكبر الحامل لشهادة الدكتوراه والاستاذ الجامعي ثارت ثائرته لهذه الجريمة الخطيرة (ولا احد يدري لماذا)، وارعد وازبد فما كان من الام التي يحاصرها الرعب الا ان اخذت الجهاز الخطير من ابنتها وهي تعلن بانها ستعيده في اقرب فرصة بل قبل ان يرتد طرف ابنها، فما كان من الاستاذ الدكتور الا ان ينهال ضربا على والدته ليتركها جثة متورمة زرقاء!!

ثم يعلن في بيان عسكري بان لا حق لاخته في الدخول الى الجامعة، وامرها بالكف عن الدراسة وعدم الذهاب الى الامتحان!!

اعود الى جهازي النقال المسكين الذي اخذ يهتز حزنا لا خوفا وهو يستقبل صوتها الحزين "اكتبي عن ذلك، واصرخي نيابة عنا، فلا صوت لنا كي نطالب بحقنا... بل لا يوجد صوت لنا لنندب حظنا".

ضغطت على ذلك الزر الصغير الذي ينهي المكالمات، واذ باصبعي يضغط على قلبي لينفجر رفضا وغضبا فتطايرت شظاياه لتخدشني أنا.

عن ماذا اكتب يا صغيرتي؟

عن حلمك في اكمال دراستك ودخولك الجامعة رغم كل ما يحيط بك من قهر وخوف ومصادرة لحقوقك كأنسان وكأنثى؟!

عن حلم المرأة في بلدي بان ينظر اليها كأنسان ويعطى حقها الذي وهبته السماء لها قبل ان تهبه القوانين الوضعية في التعليم والحرية والحياة الكريمة؟!

عن ماذا اكتب يا صغيرتي في زمن التفخيخ الذي يحاصرنا من كل مكان، ليس تفخيخ الارهاب، بل تفخيخ الامل في نفوسنا كلما حاولنا ان نوجده؟

هل اكتب عن جسد امك المتورم كضريبة لانها فكرت في ابنتها، ذلك الجسد الذي فخخه ولدها الدكتور الذي عجز كل العلم الذي تلقاه في حياته عن الغاء القبلية الجاهلية الكامنة في ذاته؟

ها انا اكتب وفاءً مني لتلك الصغيرة الجميلة التي ناضلت حتى تصل الى الجنة، فاذا ببابها يغلق على بضع خطوات منها...

اكتب ليسمع الجميع، مسؤولون... ناشطون... علماء دين... مثقفون ... منظمات... بشر...، واسمعوا اخر عبارة استقبلها جهازي "اكتبي لعل الاخرون يتعظون، سانزوي انا الى ركن مظلم ولكني لا اريد للاخريات هذا المصير... انقذوا احلامنا، دعوها ترى النور".

يا ترى لماذا نعيب على زمن غابر كان يأد الفتاة، وفي كل يوم توأد مئات الفتيات فينا ونحن نتشدق بالديمقراطية والحرية والتقدم؟

يا ترى كم فتاة وأدت امامكم او سمعتم بها او لعلكم شاركتم في وأدها؟

ما أعجبنا، امة المقابر الجماعية بكل أنواعها!!

علياء الأنصاري / مديرة منظمة بنت الرافدين ـ بابل

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ام منتظر
2007-06-12
( كيفما تكونوا يولى عليكم ) لاعجب ان يتولانا ظالما ان كنا نحن ايضا ظلام اتقوا الله عباد الله يرحمكم من في السماء
Hussain Alamery
2007-06-12
سيدتي ليس العيب قي الزمان او المكان انما العيب في مجموعة الاعراف والتقاليد البالية التي ورثناها وللاسف استبدلنا بها الاسلام الكريم الذي اخرج اناس امنوا به حقا من الظلمات الى النور, و لكن هل نحن امة حيث امنة بالاسلام حاولت ان تعرفه كي تعمل وفق تعاليمه النبيلة, ان هذه الماساة ستستمر حتى نعود الى ديننا و نهجر بداوتنا التي اضرتنا كثيرا.
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك