المقالات

فضائح الجُهّال


السيد حسين هادي الصدر

فضائح الجُهّال من أخطر النتائج السلبية لحبّ الذات ،الأوهام التي تغمر فريقاً من الجهّال، وتدعوهم الى الاعتقاد بأنهم في طليعة الرجال المتميزين بقدراتهم وكفاءاتهم ....وهكذا يصبح ( التخلف ) (تقدماً) !!وهذا هو الجهل المركب والجهل المركب هو ان لا تدري ،ولا تدري بأنك لا تدري !!وكم من بليد ابتلي به المجتمع في غمرة هذه النرجسية المقيته ..!!وكان المجتمع الى وقت قريب منقسماً الى فريقين في طريقة التعامل مع هذه الشريحة البليده الفريق الأول : يتعامل معها باستخفاف وسخريّة ويجعلها موضع تندريطلق معها القهقهات العالية وربما يستمتع بالمفارقات الكامنة في أدائها وسلوكها ما دامت في حدودها الشخصية والمجلسيه .والفريق الثاني : يتخذ منها موقفاً صارماً ،يتمثل بأبلاغها الصريح المباشر بحقيقتها الأمر الذي لا يُبقي لها فرصةً أو مجالاً في الاستمرار بعرض بضاعتها في أي مجلس أو مكان .وعلى كل التقديرين ، فلم يكن تسريب هذه العناصر الى المواقع الحساسة والمهمة في دوائر الدولة واجهزتها أمراً مألوفاً أو مهمة يسيرة ولا نريد ان ننفي بالمطلق بعض الاستثناءات النادرة ولكننا اليوم ،وللأسف الشديد ،ابتلينا بعباقرة التزوير ،وأدعياء العلم والكفاءه ،وباتت الاجهزة والمؤسسات المختلفة غاصةً بهذه الشريحة البليده ،خلافاً لمقتضيات العقل والموضوعية ، ناهيك عن القواعد الشرعية والاخلاقية والقانونية والسياسية ...وهذه أحدى مفارقات العراق الجديد ،الفريد بمعادلاته ومحاصصاته التي ما أنزل الله بها من سلطان ..!!والأنكى من كل ذلك ، التغطية القانونية لتلك الأوضاع المزرية باطلاق العفو عنهم وفي ذلك من الأجحاف والاستنزاف للثروة الوطنية ما فيه ..!!انّ الفئوية والطائفية والمناطقيه وكل الاعتبارات المرفوضة الأخرى ، تقف وراء ذلك ، وليس ثمة من يحسب لمصالح البلد وضرورة صيانة الموازين أي حساب .....ان هذه الظاهرة مرتبطة بالصميم بما يُطلق عليه مشكلة الفساد المالي والاداري الذي أرهق العراق وأرجعه الى الوراء .

طريفة عجيبه :نقل لنا أحد اساتذتنا الأعلام ،أيام دراستنا في جامعة النجف الأشرف، قصة مفادُها ان أحد الفقهاء انتقل الى جوار ربه وحين أراد الورثة توزيع تركته نادى أحد ابنائه قائلاً :{ أريدُ بنتَ غُنْدي}وحار الوُارّاثُ في تفسير عبارته :من هي بنتُ غندي ؟وما هي علاقتها بتركة أبيهم ؟وبعد التدقيق والتحقيق انكشف أن ( المحروس ) لا يريد الاّ ان يكون الوريث لأبيه في آرائه وفتاواه ،فقد كان أبوه الفقيه الراحل ،يكتب حينما يسئل عن بعض المسائل :(ثَبَتَ عندي ) وولده الموهوب ( ...) يقرأ تلك العباره ، أحلى قراءة فيجعلها :(بنت غُندي )وعلى فهمه ، وطموحه ، بل على العلم والمجتمع ألف تحية وسلام !!الكشيده البليدة ونقل الاديب الكبير المرحوم الاستاذ جعفر الخليلي في ترجمة العالم الأديب الشهير العلاّمة السيد رضا الهندي - طيب الله ثراه - (صاحب الكوثرية والروائع الشعرية الاخرى ) هذه القصة :قال السيد الهندي :[ ذات يوم تسوق المصادفة اليّ رجلاً بغدادياً جميل البزة ، حلو الهندام ، نظيف الثوب والقلب ، تعلو رأسه ( كشيده ) صفراء في غاية الأناقة والزركشة فينشدني قصيدة من شعره المضحك المبكي ، وهي قصيدة أصدق ما ينطبق عليها الوصف العامي الذي يجمع كل أطرافها بكلمة ( خرابيط ) ولكنّ خرابيطها كانت من النوع الجيد الممتاز الذي لا يطيق المرء ان يتمالك نفسه من الضحك أمامها ومع ذلك فقد أطقت أنا ذلك .وحبستُ نفسي لغاية في نفسي ، وهي أنْ أغري هذا الرجل حتى أهيء منه هدية نفسية أقدمها الى صديقي كبير الشعراء السيد محمد سعيد الحبوبي ، فكان ما أردتُ ،وقد أغريتُ الرجل بأن يعرض هذه الجواهر النفسية على مشتريها ومقدري حقها ، وضربتُ له موعداً ، وحضرنا نادي السيد السعيد معاً وقدمتُه بهذه الألفاظ :هذا الجلبي - قلتُ هذا وانا أشير اليه - هذا الجلبي شاعر ممتاز ولكنه كالقطّ يُنتج ويُخفي ما ينتجه في صدره ..وسيقرأ لكم احدى قصائده العامرة لتروا فيها مثال الشاعرية الفياضة وكان تعريفي هذا قد أعمى الجلبي عن الألتفات الى الغمز اللفظي ، والكناية المعنوية في تشبيهه بالقط ، فصار يُنشد بصوت أعلى ، وأكثر ترنيمة مما أنشدني به شعره من قبل وما كاد يُنهي مستهل القصيدة الاّ وانفجر السيد محمد سعيد ضاحكاً ثم اغرق الباقون في الضحك والشاعر مشغول بتلاوة القصيدة ولكن الحبوبي لم يلبث دقيقتين أو أقل حتى بدأت الضحكة تغور في فمه ، كما تغور الشمس في السحاب ، وتنكمش منه السحنه ، وتختفي الابتسامة في نفسه ، كما ينكمش الحلزون ويختفي في نفسه .ثم اذا الحبوبي يتوجه الى الرجل بغتة ويقول :- لقد غشك ياجلبي هذا ( وأشار اليّ )فأنت رجل لا تفهم الشعر ، ولا تحسنُه ،واذا بقيتَ مغروراً بنفسك ، فستظل سخرية الساخر وهزؤ المستهزئ واني آرى من واجبي الديني أن أنصحك وأصرفك عن نظم الشعر نهائياً فهل أنت فاهمٌ ما أقول ؟قال الرجل :نعم فهمت ]ان الواجب الديني ، والوطني ، يدعونا الى التحذير من تبني تسويق الجهّال ، ايا كانت الدوافع والأساليب، ونحن ندعو الى العناية بهم كمواطنين ، لا تسليطهم على رقاب الناس ، وزرعهم في مواقع المسؤولية المهمة ، لان في ذلك خيانة كبرى للوطن وللمواطنين ولكل القيم والموازين .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
د ليث العامري
2012-01-02
مقالة رائعة ومفيدة ...دعواتنا لكم سيدنا بالصحة والامان والخير الوفير
الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي
2012-01-01
السلام عليكم سيدنا من المؤسف ان الجهال صاروا يحكمون العراق وهو لم يكتفوا فارادوا تعميم الجهل وكما قال الشاعر كم عالم عالم اعيت مذاهبه او جاهل جاهل تلقاه مرزوقا ذاك الذي جعل الاوهام حائرة وصير العالم النحرير زنديقا سيدي اعملوا على تخليصنا من الجهال فنحن لانريد طاغية جديد حتى وان كان شيعيا محبتي لكم الاستاذ الدكتور وليد سعيد البياتي
المهندسة بغداد
2011-12-31
شكرا لكم على هذا الطرح الراقي دعوتكم في مكانها ولكن ارى ان الجهال قد انتقلوا من مرحلة كونهم سخرية الى مرحلة كونهم ظلمة وقتلة ولصوص والسبب في عدم تفعيل ما اشرتم اليه في وقت مبكر وعليه صار الامر اكثر صعوبة ولكن لابد من تفعيله ( التصدي للجاهل ) على الاقل مع الجاهل المتبتدىء ادام الله كتاباتكم الثرية
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك