المقالات

الذي يداه في النار ليس كالذي يداه في الماء...كلمات على أطلال مجزرة الباب الشرقي

1561 00:24:00 2007-01-24

( بقلم : طالب الوحيلي )

الذي يداه في النار ليس كالذي يداه في الماء ،انه مثل يكاد ينطبق على أبناء الشعب العراقي أكثر من أي كان ،وذلك لتسابق الحوادث الجسيمة بحيث لم تمر مثلها في العالم المعاصر كهذه الحوادث منذ سقوط النظام لبائد وحتى الآن ،وهذا التسابق يضع المواطن في دوامة الدم والخوف المستحكم في كل خلجاته وفي جميع أوقاته في مسكنه او حتى مضجعه وفي مأكله ومشربه وفي مشغله ومعمله ومواطن التقاط رزقه ،ولاسيما ذهابه وإيابه ،فقد امتدت مساحات الخطر وضاقت خطوط الأمان مقابل تحجيم في مرتكزات الحضور الأمني ،بالرغم من الخطط الأمنية الكثيرة وما وفرته من عناصر بشرية تكاد تشعرك بوجودها الظاهري ،فيما تستبقها الأحداث المفجعة فتضعها على حواف الفجيعة الدامية.

أحزان الفقراء الذين توارثتهم الكوارث منذ العهد الدكتاتوري البغيض ومقابره الجماعية ،ورؤيتهم أبناءهم يروحون أفواجا الى الموت (الصدامي) ،وحتى المذابح التي وقعت على يد بقايا نظام المجازر العتيد،ببعثييه الذين لم يعلنوا توبتهم او براءتهم من آثامهم التي ارتكبوها بحق العراق وتراثه وشعبه ،فبقي بعضهم مع سبق الإصرار يتسلل الى أدوات الدولة الديمقراطية التي لونتها بصمات الفقراء ودمائهم ،وتحولت تلك القطعان من غيلان وكواسر الأمن والمخابرات وفدائيي صدام الى طائفيين متحالفين مع بقايا العصور المظلمة ،فارتدوا حلّة الذبح والأحزمة الناسفة وابتكروا مصايد للخديعة سرعان ما تنفجر وسط عمال المساطر والباعة المتجولين الذين استوطنوا أرصفة الشوارع يبيعون بضائع رخيصة لاتدر لهم سوى أرباح تكفيهم لإشباع بعض بطونهم وتوفير أجزاء من حلم مستحيل.

هذه الأحزان أخذت تتجذر مع كل فاجعة تمر محملة بعشرات القتلى المقطعي الأشلاء اثر انفجار مريع ،لكن أبناء شعبنا يتأسون بالحسين اذ تحضر في ذروة الحزن ملامح الطف البعيدة ،او حين يعيشون لمحات الانتصار حيث كسرت رقبة الجلاد او حين ثأر حبل المشنقة من برزان فقطع عنقه ،ليبتدئ عهد جديد وصراع اشد حقدا حين تتعبأ امة الضلال الطائفي الشوفيني وتجاهر بحربها ضد فقراء العراق الذين سرقت ثرواتهم عبر بطون قبائل الجاهلية ،وبكل قبح يعلنون مراثيهم بموت رمزهم وصنمهم ،ويعلنون حربا طائفية متناغمة مع خطابات الأصنام التي تحكمهم ،فهم فعلا كمن أدمن على العيش في ظل الطواغيت!!

الذي يداه في النار هو الشعب العراقي دون سواه ،وهو من ينتظر ساعة الفرح بان تنهض الحكومة المنتخبة بمسؤولياتها وتنتزع صيرورتها بما يتلاءم مع ما منحها هذا الشعب من ثقة وما أعطته من مواثيق،فكم مذهل حين يقف شاب وقد نفض للتو دخان انفجار وما زالت آثار دماء الشهداء على ثيابه وهو يعد القتلى او ينقل الأشلاء عبر عربة للحمل في الباب الشرقي ،ليعلن بكل صدق بان الإرهاب لن يثنينا عن مسيرتنا وان القتلة استهدفوا هؤلاء الكادحين لأنهم جميعا من أتباع أهل البيت ،وان صوت المنشد الحسيني عبر الأقراص المدمجة التي استهدفها التكفيري لا يمكن ان يسكته خوف أبدا ،وكم هو موجب للغضب ان ينفذ بقايا النظام المقبور عبر زمرهم الإجرامية ،وعيدهم بالانتقام لطاغيتهم من فقراء العراق في أيام عاشوراء الحسين ،لكن غضب اتباع الحسين هو غضب مقدس وليس ردود أفعال عبثية ،فمازالوا مؤمنين بنظامه الديمقراطي وبسيادة القانون كخيار حضاري وإنساني ،لذا فإنهم يترقبون الخطة الأمنية التي وعدهم بها الدكتور المالكي ،وأسندها جورج بوش باستراتيجيتة الجديدة التي ترتكز على دعمه الكبير للحكومة العراقية ،وعبر تحد خطير يضع فيه كل تأريخه السياسي .

نعم الإستراتيجية الجديدة التي ينتظرها المواطن العراقي ،ويحسب منذ إعلانها كل حساب في أي لحظة خطر ،او ليتندر على الخطط الأمنية السابقة حين تجيش فيه الخواطر المرعبة ،فاي إعدادات وضعت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ،وكيف يمكن ان تسيطر الحكومة وهي مازالت مثقلة بهموم الاختلاف وعدم التوافق عبر برلمان مازال بعض أعضائه غير قادرين على معرفة ما يعنيه المشرع من انه يمثل امة ولا يمثل سوى نفسه او فريق من الخارجين على القانون ،وبعضهم خارج على القانون فعلا ويستحق نزع الحصانة عنه ،وكيف يمكن لقوات مسلحة ان تنتشر وهي مجردة من السلاح المناسب ،فلا إسناد معلوماتي لديها ولا قوات مدرعة او أسلحة ثقيلة أخرى او إسناد جوي حقيقي ،وقد حق للدكتور المالكي ان يختار تجهيز القوات العراقية بما تريده مقابل الاستغناء عن القوات الأجنبية ،وتلك هي المعضلة الحقيقية .

الإستراتيجية الأمريكية استندت أصلا على فكرة دعم الحكومة العراقية لتكون القيادة العسكرية بيد القوات العراقية فيما تكون القوات متعددة الجنسيات مجرد قوات داعمة ،كما استندت على إمكانية التحرك الدبلوماسي على دول الجوار وبعض الدول الإقليمية ،لكن ما نشعر به هو ان معظم الدول العربية تنظر الى الحكومة العراقية بازدراء ،وقد اتخذت من الشعب العراقي خصما ،ويكفينا انها أقامت الدنيا ولم تقعدها على إعدام طاغية مجرم نال حظه من المحاكمة العادلة المعلنة على الكون اجمعه ،لكنها لم تنبس ببنت شفة عن مقتل أكثر من ثمانين طالب وطالبة في الجامعة المستنصرية او أكثر من ثمانين كادح في الباب الشرقي ،ولم تعلن شجب او استنكار ولو لمجاملة دبلوماسية او دولية تكاد تجمع عليها الأعراف الدولية حتى بين الدول المتحاربة ،وذلك يعني فيما يعنيه رضا وقبول تلك الدول بقتل الشعب العراقي عبر الحقد المبيت .

على مشهد لاطلال فاجعة الباب الشرقي التي وقعت يوم 22/1/2007 ،يمكن ان تهمل الدموع وتنكفئ المشاعر نحو الرثاء لتلك البقايا ،حيث (البسطيات) المهشمة وآثار الأشلاء الملتصقة فيها ،وحيث بقايا بضائع الباعة وهي ملطخة بدماء الشهداء ،خراب يمتد مابين ساحة الطيران وساحة التحرير وروائح الموت لم تزل تذكر المارة الذين لم يستطيعوا حبس دموعهم ،بان كان في هذا المكان شباب وكوهلة تركوا عوائلهم طلبا للرزق الحلال، قتلتهم قوى الإرهاب ،ظنا من تلك القوى إنها قادرة على إعادة دائرة التأريخ نحو الاتجاه المستحيل .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك