المقالات

الكتل السياسية وتعويق مشروع بناء الدولة الحديثة


كريم الشيحاني

مضى اكثر من ثمانية أعوام على التغيير وعملية بناء الدولة المدنية الحديثة ما تزال متعثرة وبطيئة ,بل وتراوح في مكانها ان لم تكن هناك عودة الى الوسائل التقليدية كالقبلية والتحالفات المناطقية والعشائرية وتقديم التنازلات وسياسة الاسترضاءات وتطييب الخواطر في عملية تكوين خارطة بناء الدولة العراقية ,انطلاقا من عقلية سياسية لا ترغب بالتحديث والمضي في مشروع بناء الدولة الحديثة الذي يجب ان يكون مستندا على أرضية صلبة من وجود فاعل للمؤسسات المستقلة ,إضافة إلى دستور يلتزم الجميع ببنوده وإحكامه . من الواضح ان البوصلة السياسية لا تدور باتجاه بناء دولة المؤسسات ,بل نحو الحفاظ على السلطة باي ثمن وإعادة إنتاج المنهج القديم الذي اتبع في عملية بناء الدولة الذي يقوم على العشائرية والمناطقية والذي أسس له البريطانيون في القرن الماضي وسار عليه الملكيون ومن بعدهم الجمهوريون وصولا إلى حكم نظام البعث الذي كان نظاما قمعيا وقرويا واسريا لا يرغب بالتحديث او إشراك مكونات الشعب العراقي في العمل السياسي وتحديث مؤسسات الدولة ,بل إنها تتبع نهجا فرديا وشموليا سرعان ما انتهى إلى السقوط . عملية تحديث الدولة العراقية مهمة تقوم على أكتاف السياسيين الذين لا يمتلكون الرغبة حاليا للمضي في هذا المشروع او البدء به حتى ,حيث إنهم لا يؤمنون بعملية التحديث والتطوير ولا يتبنون مناهجها وأسسها ,حيث يشجعون عملية المحاصصة ويتمسكون بها ويدفعون بواجهات وأسماء لا تملك أية قدرات ومؤهلات في إدارة مؤسسات الدولة المناطة بهم ,اذ تحولوا أيضا الى نواة وبؤر للفشل والتراجع المهني والإداري المصاحب لمشاهد الفساد الإداري والمالي الذي يفتك ببنية الدولة ويهدد مؤسساتها بالتراجع والانكماش مع وجود طبقة سياسية تشجع الفساد وتحميه ولا تكشف الدعم عنه بدليل إنها تصر على براءة الفاسدين المنتمين إليها وتخلق الحجج والتبريرات وتقدمهم على انهم ضحايا أبرياء قد جرى تلفيق التهم لهم رغم وجود الكثير من الأدلة التي تدينهم ,إضافة إلى التلاعب بها وتسخير امكاناتها الإعلامية والسياسية لتسييس الملف واختلاق نزاعات سياسية وطائفية من اجل تفويت الفرصة على البرلمان ومؤسسات القضاء لمحاسبة الفاسدين والمتورطين ,بل ان هناك ثقافة سياسية باتت تمارس علنا باتت تعتبر الفساد أمرا طبيعيا ومسكوتا عنه وتعمل أيضا على مداراته . مليارات الدولارات التي تهدر كل عام تحت أبواب وبنود معروفة تتلخص في اقامة مشاريع وهمية لا وجود لها ,اضافة الى تنفيذها بطريقة رديئة وغير صحيحة بات الملايين من العراقيون يحرمون منها وهم بأمس الحاجة لها ,حيث لا وجود لمشاريع حقيقية للسكن والماء والمجاري وغيرها من البنى التحتية . كما ان الآلاف من الدرجات الوظيفية التي يعلن عنها كل عام تذهب إلى مافيات حزبية وسياسية تستغلها لصالحها وابتزاز المواطنين بها . عملية تحويل مؤسسات الدولة الى محميات حزبية وسياسية يعتبر اكبر عقبة خطيرة في عملية بناء مؤسسات الدولة وتحديثها وعملية تجاوز هذا النهج في عملية بناء الدولة يعتبر شرطا أساسيا للنجاح في تحديث الدولة وتشجيع التوجه نحو تمدين العراق وتخطي العوائق الأساسية التي تصطدم بهذا المشروع وتعيقه . ان الوصول إلى هذا الهدف يتطلب وجود طبقة سياسية تؤمن بالتغيير وتغيير الوضع الحالي باتجاه تحديث الدولة العراقية عبر تبني أساليب أكثر شفافية والتصدي للفساد مع منح الحكومة دورا اكبر وتوجه الأحزاب نحو العمل الرقابي البرلماني بدلا من حالة الازدواجية التي تعيشها الكتل السياسية وانقسامها ما بين المشاركة في الحكومة في آن وفرض الرقابة عليها برلمانيا حينا آخر مما يؤدي إلى ازدواجية وتشتيت في العمل السياسي ,إضافة إلى انه يخلق مناخا تصادميا فيما بينها يقوم على الصراعات وكسب النقاط ضد الخصم ,أضف إلى ذلك إلى انه يخلق حكومة مترهلة وضعيفة تعيش جوا مأزوما ومتناحرا لن يسمح لها بالعمل بصورة صحيحة ووفق ما يتمناه منها الشعب العراقي .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك