المقالات

صناعة الأصنام!

1431 17:28:00 2007-01-09

( بقلم قاسم حسين )

عندما تقرأ تاريخ العرب في الجاهلية، ستقف على مجلداتٍ من الأشعار في التفاخر بالأنساب والأخذ بالثارات، ومعارف بسيطةٍ في طرق التداوي بالأعشاب، وقصص طويلة من الحروب التي لا تنتهي من أجل ناقةٍ أو بئر ماء! طريقةُ حياةٍ فرضتها عليهم تلك البيئة القاحلة، التي لا ترى فيها غير الامتداد الواسع للصحراء، والارتفاع الشاهق للسماء، فكانوا يتخيلون حبيباتهن كواكب ونجوماً معلقة في الفضاء، ويتصوّرون أنفسهم فرساناً يطيرون في الهواء! مثل هذا الأفق الضيق والحياة البسيطة والتفكير الغارق في الخيال، كان يدفعهم إلى حب تقليد الآخرين حين يزورون المناطق الحضرية في الشمال والجنوب، ومن هنا «استورد» أحدهم شحنةً من الأصنام من الشام، على ظهور الجمال، لينصبوها حول الكعبة، حتى بلغ عددها مئات، لكل قبيلةٍ أو عشيرةٍ أو فخذٍ صنمٌ تعكف على عبادته. واحتاجت هذه العقلية الوثنية إلى أربعة آلاف سنة حتى تزال، بدخول الجيش الإسلامي إلى مكة فاتحاً، فحطّم الأصنام والأوثان ودفن حطامها تحت الأبواب ليطأها الناس بأرجلهم عند دخول البيت الحرام. بعد هذه الخطوة انطلقت الدعوة المحمدية لتفتح نصف العالم القديم وتخضعه للدين الجديد في أقل من قرن واحد.ليس من الصحيح طبعاً حصر ما حدث بالجانب العسكري، فما شهده العالم هو انبثاق حضارةٍ جديدةٍ ذات تطلعاتٍ إنسانيةٍ كبرى من عمق الصحراء، ظلت تؤثر على مسار البشرية قرونــــاً حتى زمن الردة هذا.كان ذلك زمن الانعتاق والتحرّر من إغلال الجاهلية، أما في هذا الزمان، فنشهد عودةً جماعيةً طوعيةً إلى تلك القيود والأغلال! والحدث التاريخي هذه المرّة هو تجمعٌ للقبائل العربية الجديدة حول جثمان طاغية أعدم في بغداد على جرائم ارتكبها بحق العراقيين وغيرهم من شعوب المنطقة.هذه الموجة العارمة من الصخب والضوضاء، تضعنا أمام مأزقٍ وجودي، ومفارقةٍ حضارية، ففي الوقت الذي تتخطّى الأقوام والشعوب الأخرى طغاتها وحكامها المستبدين انطلاقاً للمستقبل، فإن قومنا يعكفون على الطغاة ويتوّجونهم لحظة سقوطهم «شهداء»! هذه الضوضاء العالية لن تخفي حقيقة ان هذا الطاغية هو أسوأ حاكم عربي في العصر الحديث، قد يبزّ أنور السادات، من حيث كلفة نظامه على شعبه والشعوب المجاورة وعموم المنطقة. هنا في البحرين يمكننا الحديث عن 12 عائلة تم اغتيال أبنائها من طلبة العلم في زمن صدام بدمٍ بارد، وظل مصيرهم مجهولاً حتى سقوطه، إذ كشفت معلومات عن تصفيتهم ودفنهم في إحدى المقابر الجماعية. هذه الحقائق وغيرها من فظاعات العهد السابق الممتدة 35 عاماً، تبخّرت في لحظة إعدام الطاغية، الذي تحوّل فجأةً إلى «سيد شهداء القرن»! على مستوى الدول، سُجّلت حالات «تقزّز» و«تقيّؤ» و«اشمئزاز»، لما حصل من ظلمٍ فظيع! وعلى مستوى الشارع، هناك 200 مليون عربي يتفجرون غضباً في حمأة الحماسة الطارئة للدم العراقي المراق منذ سنوات.وتعالت أصوات الندب على صوت العقل والمنطق، حتى قارنته كاتبةٌ عروبيةٌ مثقفةٌ مقيمةٌ في باريس بالمجاهد عمر المختار، مستذكرةً قصيدة أحمد شوقي فيه! بل إن دولة المختار، الجماهيرية العربية الإسلامية الديمقراطية الاشتراكية العظمى، أعلنت الحداد الرسمي ثلاثة أيام، وقررت لجانها «الثورية» إقامة تمثال للرئيس المظلوم وهو على منصة الشنق، بينما قالت وكالة الأنباء الليبية إن التمثال سيقام إلى جانب تمثال «عمر المختارشيخ الشهداء» (القديم طبعاً بعد أن غطّت على بطولاته بطولات صدام!) . القبائل العربية القديمة كانت تخلق أصناماً من التمر تأكلها عندما تجوع، أما القبائل العربية المعاصرة، «ذات الرسالة الخالدة»، فتقتات على أجساد طغاتها في معارك التحرير الزاخرة بالدماء! وبينما تصنع الأمم الأخرى الصواريخ وتفجّر الذرة وتغزو الفضاء، تغزو الدول العربية بعضها بعضاً، ويفجّر «مجاهدوها » السيارات المفخّخة في الأسواق، ويبدع مثقفوها في «تصنيع» تماثيل وأصنام الطغاة! الوسط البحرانية
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك