المقالات

المشهد العراقي.. معارك كسر العظم ومابعدها!

665 22:01:00 2011-07-29

عادل الجبوري

يقع في خطأ كبير من يقرأ وقائع جلسة مجلس النواب العراقي يوم الخميس الماضي، الثامن والعشرين من شهر تموز-يوليو الجاري التي شهدت التصويت على عدم سحب الثقة من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من زاوية واحدة ، وفي اطارها المحدد وبمعزل عن مجمل الحراك السياسي في المشهد العراقي العام.وقائع الجلسة المذكورة وبما حفلت به من تجاذبات وتشنجات واحتقانات وما تبعها ايضا، بدت وكأنها معركة كسر عظم بين رئيس الوزراء وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي من جهة وخصومه ومنافسيه الاخرين من جهة اخرى، وعلى ضوء معطياتها ونتائجها الاولى ربما لم يحسبها المالكي وانصاره بصورة صحيحة، وهذا امر غريب فعلا لان القضية تحكمها ارقام بالدرجة الاساس. في الواقع كانت جلسة الخميس صورة مصغرة للصورة الاجمالية الكلية لحقيقة الواقع السياسي العراقي بسمته الرئيسية ، الا وهي "فقدان الثقة".ومثلما نلمس بين طيات تصريحات بعض من اعضاء ائتلاف دولة القانون بأن عدم التصويت لحجب الثقة عن مفوضية الانتخابات كان ضربة قوية تكاد تصل الى مستوى الهزيمة، فأن القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي رأت في الابقاء على مفوضية الانتخابات نصرا لها، بصرف النظر عن صحة تلك الخطوة او عدم صحتها.ولعل ما قالته النائبة عن دولة القانون التي تبنت مشروع استجواب اعضاء المفوضية حنان الفتلاوي وما قاله المتحدث بأسم القائمة العراقية حيدر الملا يشير بوضوح الى مشاعر واحاسيس الهزيمة والانتصار لدى كل من الطرفين.فالفتلاوي اعتبرت في المؤتمر الصحفي الذي عقده اعضاء من دولة القانون بعد انتهاء جلسة التصويت، ان القائمة العراقية والتيار الصدري والمجلس الاعلى وحزب الفضيلة انما بعدم تصويتهم على سحب الثقة من المفوضية صفقوا للمفسدين، وقالت بالنص "تصويت مجلس النواب على عدم سحب الثقة من مفوضية الانتخابات والتصفيق الحار من قبل القائمة العراقية وزعيمها أياد علاوي الذي لم يحضر لأي جلسة للبرلمان بالإضافة الى كتل أخرى هو بمثابة انتصار كبير للفساد الإداري والمالي في العراق"، ونبرة الانفعال الحاد التي تحدثت بها وتحدث بها نواب اخرون من القائمة من بينهم الشيخ خالد العطية عكست مقدارا كبيرا من الاحباط وخيبة الامل والشعور بالانكسار. اما الملا فقد صرح قائلا " إرادة العراقية وزعيمها أياد علاوي انتصرت على إرادة المالكي وائتلاف دولة القانون عندما صوت البرلمان، اليوم، برفض سحب الثقة عن المفوضية العليا للانتخابات".ويضيف المتحدث بأسم العراقية "انه إذا كان هنالك تشخيص لحالات فساد أو سلبيات بأداء المفوضية، فأن هذا الأمر يدعونا إلى التوافق على تشكيل مفوضية جديدة وعدم ترك البلد في حالة فراغ من خلال سحب الثقة عن مفوضية الانتخابات".ويؤكد "أن ما جرى اليوم في مجلس النواب يمثل صراع إرادتين، الأولى تحاول المحافظة على المكسب الديمقراطي وصيانة العملية السياسية من خلال الإبقاء على مفوضية الانتخابات، اما الثانية فتحاول القضاء على المكسب الديمقراطي والعودة إلى ما قبل 2003 وإعادة إنتاج ثقافة القائد والحزب الأوحد من خلال سحب الثقة عن المفوضية وترك العملية السياسية تعاني من فراغ".وتبدو حجج كلا الفريقين قابلة للبحث والنقاش والاخذ والرد في اطار حوار هاديء وبناء وموضوعي، بيد ان القضية لو كانت قد تمحورت حول مصالح وحسابات وطنية لانتهى الامر بهدوء، ولكان اعضاء من دولة القانون قد صوتوا ضد سحب الثقة من المفوضية وفي مقابل ذلك، اعضاء من العراقية وكتل اخرى صوتوا بسحب الثقة عنها. وهذا لم يحصل ولم يكن له متوقعا ان يحصل بسبب الاصطفافات الحادة وتراكم التقاطعات والخلافات واتساع الهوة بين الفرقاء.ولعل التأمل مليا في مجمل الحراك السياسي يمكن ان يؤشر الى حقيقة ان مسارات الجدل والسجال بشأن مفوضية الانتخابات هي ذات المسارات بشأن المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية والوزارات الامنية، واتفاقية اربيل، والموقف من بقاء القوات الاميركية في العراق او عدم بقائها بعد نهاية العام الجاري، والهيئات المستقلة، وتنفيذ احكام الاعدام بحق بعض رموز النظام السابق مثل وزير الدفاع الاسببق سلطان هاشم احمد، ورئيس اركان الجيش حسين رشيد التكريتي وقضايا اخرى تمثل نقاط خلافية بين الفرقاء السياسيين العراقيين.ولان الازمة الحقيقية هي "ازمة ثقة" فأنه الصعب جدا بمكان حسم الامور الا عبر خيار الحزمة الواحدة one package ، كما حصل في اوقات سابقة، فعلى سبيل المثال تنقل اوساط مطلعة ان الاجتماع الثاني لقادة الكتل السياسية الذي عقد قبل ثلاثة اسابيع في منزل رئيس الجمهورية جلال الطالباني شهدت مناكفات حادة بين علاوي والمالكي كادت ان تعصف بالاجتماع لولا جهود التهدئة التي بذلها الطالباني وشخصيات اخرى، فبينما كان المالكي يحاول جاهدا الحصول على تأييد القائمة العراقية لابقاء عدد معين من القوات الاميركية تحت عناوين مختلفة -التدريب والتسليح وحماية الممثليات الدبلوماسية الاميركية- فأن العراقية كانت ترفض بشدة تأييد ذلك ليس ارتباطا بموقف مبديء حيال وجود القوات الاميركية في البلاد، وانما في اطار المساومات السياسية، اذ هي ارادت من المالكي حسم ملف المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية والوزارات الامنية، او بعبارة اخرى تنفيذ كافة بنود اتفاقية اربيل اولا، ومن ثم تعلن تأييدها لبقاء القوات الاميركية لما بعد عام 2011، وهذا الاصرار بسبب عدم ثقتها بالمالكي، والاخير لديه نفسه الشعور لذلك فأنه يسعى قبل كل شيء للحصول من الاخرين على ما يريده وفيما بعد فأنه سيكون في وضع يتيح له التنصل فيما لو رأى ذلك ضروريا بالنسبة له.وربما الامر يصدق على علاقة المالكي بالتيار الصدري وبالمجلس الاعلى وبالتحالف الكردستاني، الذي يبدو ان المالكي يحرص في هذه المرحلة على بناء علاقة جيدة معه، ولعل تجنب الفتلاوي ذكر التحالف الكردستاني الى جانب الاطراف التي اتهمتها بأنها صفقت للفساد والمفسدين لم يكن امر عفويا بل كان مقصودا وحسوبا وموجها.ونقطة القلق الرئيسية اليوم بالنسبة للمالكي وحلفائه هو اتساع وتبلور ووضوح مساحة المعارضة له داخل البرلمان وخارجه، وهو مايعني اضعافه وتكبيله، وامكانية سلب زمام المبادرة من بين يديه في اي وقت، فضلا عن انه يعني فتح مزيد من الجبهات امامه لخوض معارك سياسية قد تكون فرصه لكسبها محدودة او غير مشجعة، دون ان يعني ذلك ان خصومه ومنافسيه سيكونون في وضع يمكنهم من فرض كل خياراتهم، لعدة اسباب من اهمها انهم لاينضوون تحت مظلة واحدة، ولايقفون على جبهة واحدة، ولايحملون ويتبنون نفس الرؤى والمواقف والتوجهات، بل يبدو للمتابع في معظم الاحيان ان ما يفرقهم اكثر مما يجمعهم.ماذا يعني ذلك ؟.. يعني ان المشهد السياسي العراقي يتجه الى المزيد من الازمات التي تولد وتنشأ من ازمة الثقة والى غياب الحلول والمعالجات الجذرية والحقيقية التي من شأنها ان تغير وتبدل صورة الواقع القاتمة بصورة اكثر اشراقا يلسمها المواطن العادي سياسيا وامنيا واقتصاديا.معارك كسر العظم بين الخصوم اذا كانت قد بدأت بالفعل، فأن افاقها ستكون مفتوحة، ونهاياتها غامضة، ونتائجها مقلقة!.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك