المقالات

المثل الأعلى في حسن الخلق

1654 15:31:00 2011-02-15

حسن الهاشمي

الأخلاق الدمثة هي التي تأخذ بيد الإنسان إلى مصاف الذكر الطيب والتأثير الفاعل في المجتمع، فحسن الخلق حالة تبعث على حسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، وطيب القول، ولطف المداراة، كما عرّفه الإمام الصادق عليه السلام حينما سُئل عن حدّه فقال: تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن.من الأماني والآمال التي يطمح إليها كل عاقل حصيف، ويسعى جاهداً في كسبها وتحقيقها، أن يكون ذا شخصية جذّابة، ومكانة مرموقة، محبباً لدى الناس، عزيزاً عليهم.وإنها لأمنية غالية، وهدف سام، لا يناله إلا ذوو الفضائل والخصائص التي تؤهلهم كفاءاتهم لبلوغها، ونيل أهدافها، كالعلم والأريحية والشجاعة ونحوها من الخلال الكريمة.بيد أن جميع تلك القيم والفضائل، لا تكون مدعاة للإعجاب والإكبار، وسمو المنزلة، ورفعة الشأن، إلا إذا اقترنت بحسن الخلق، وازدانت بجماله الزاهر، ونوره الوضّاء، فإذا ما تجردت منه فقدت قيمها الأصيلة، وغدت صوراً شوهاء تثير السأم والتذمر.لذلك كان حسن الخلق ملاك الفضائل ونظام عقدها، ومحور فلكها، وأكثرها إعداداً وتأهيلاً لكسب المحامد والأمجاد، ونيل المحبة والإعزاز.أنظر كيف يمجد أهل البيت عليهم السلام هذا الخلق الكريم، ويطرون المتحلين به إطراءاً رائعاً، ويحثون على التمسك به بمختلف الأساليب التوجيهية المشوقة، كما تصوره النصوص التالية:قال النبي صلّى اللّه عليه وآله: إن لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم.وقال الباقر عليه السلام: إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً.وقال الصادق عليه السلام: إن الخلق الحسن يميت الخطيئة، كما تميت الشمس الجليد.وكفى بحسن الخلق شرفاً وفضلاً، أن اللّه عز وجل لم يبعث رسله وأنبياءه إلى الناس إلا بعد أن حلاّهم بهذه السجية الكريمة، وزانهم بها، فهي رمز فضائلهم، وعنوان شخصياتهم.لقد كان سيد المرسلين صلى اللّه عليه وآله المثل الأعلى في حسن الخلق، وغيره من كرائم الفضائل والخِلال، واستطاع بأخلاقه المثالية أن يملك القلوب والعقول، واستحق بذلك ثناء اللّه تعالى عليه بقوله عز من قائل: (وإنّك لعلى خلق عظيم).قال أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو يصور أخلاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: كان أجود الناس كفاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه فعرفه أحبّه، لم أرَ مثله قبله ولا بعده.وحسبنا أن نذكر ما أصابه من قريش، فقد تألبت عليه، وجرّعته ألوان الغصص، حتى اضطرته إلى مغادرة أهله وبلاده، فلما نصره اللّه عليهم، وأظفره بهم، لم يشكّوا أنّه سيثأر منهم، وينكّل بهم، فما زاد أن قال لهم: ما تقولون إني فاعل بكم؟! قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء.وجاء عن أنس قال: كنت مع النبي صلى اللّه عليه وآله، وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة، حتى أثرت حاشية البُرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد إحمل لي علي بعيريّ هذين من مال اللّه الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مالك، ولا مال أبيك، فكست النبي صلى اللّه عليه وآله ثم قال: المال مال اللّه، وأنا عبده. ثم قال: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟! قال: لا. قال: لِمَ؟ قال: لانّك لا تكافئ بالسيئة السيئة، فضحك النبي، ثم أمر أن يحمل له على بعير شعيراً، وعلى الآخر تمراً.وطالما ذكر لنا التاريخ وحمل بين طياته قصصا تحكي عن ارتقاء العظماء مراتب عالية من حسن التعامل مع كافة شرائح المجتمع، فكان الرسول الأعظم يؤثـّر حتى على مخالفيه فيجذبهم إلى الإسلام بأخلاقه الدمثة وتعامله اللطيف الذي يسحر الإنسانية قاطبة بما يحمل من تسامح وعفو وحلم عظيم لا تجد له مثيلا في العالم، وكيف لا وكان الرسول طبيبا دوارا بطبه؟! يطبب العقول والأرواح وينتزع منها غوائل الحقد والكراهية والبغضاء ويزرع مكانها براعم المحبة والألفة والتعاون على البر والإحسان، وطبابة الروح أعظم من طبابة الجسم، حيث إن تأثيرات الجسم محدودة بينما تأثيرات الروح تبقى خالدة على مر الزمن، وتأثيراتها تبقى أبدا بين ظهراني الشعوب التواقة إلى التحرر من أسار المادة والشهوات إلى عالم الروح والمعنويات.وحري بالمسلم إذا ما أراد العزة والكرامة والسؤدد أن يسير على خطى من قال بشأنه تعالى وأنك لعلى خلق عظيم، لاسيما مع تعقيدات الحياة المادية الرتيبة فنحن بأمس الحاجة إلى أخلاق محمد وآل محمد عليهم السلام، فليكن شعار كل واحد منا حسن الخلق... منهاج عملي واعد، ولنطبقه جميعا: الزوج مع زوجته والطبيب مع مريضه والرئيس مع مرؤوسه وصاحب العمل مع عماله والموظف مع مراجعيه وهكذا دواليك ريثما نتغلب على مشاكلنا ونكوّن أمة يضرب بها المثل الأعلى في التعامل الإنساني الرائد.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك