المقالات

نتائج الأنتفاضات ... غيض من فيض ... مدد يامصر

822 14:08:00 2011-02-06

قاسم السيد

من أهم النتائج التي أفرزتها الأنتفاضة المصرية وقبلها التونسية هو الأطاحة بفكرة الجمهوريات الملكية التي كان النظام السياسي العربي يحرص على تثبيتها في الحياة السياسة العربية والتي لم تكن مقصورة على نظام واحد بل اضحت ظاهرة تشمل اغلب الأنظمة العربية وتخلي النظام العربي عن نظرية التوريث ليست خطوة تكتيكية لأمتصاص غضب الجماهير انما هو تنازل صريح وواضح من الصعب التراجع عنه لأنه لم يبقى امام هذه الأنظمة الوقت الكافي للعدول عن اعلانها هذا وهذا بحد ذاته احد المكاسب المهمة التي تحسب لهذه الأنتفاضات المباركة .وسبب ظهور نظرية التوريث في الحياة السياسة العربية المعاصرة خصوصا في الأنظمة الجمهورية هو طول بقاء قيادات هذه الأنظمة في اعلى هرم السلطة نتيجة سببين هما غياب الديمقراطية في الحياة السياسية العربية التي تكفل الأنتقال السلمي والسلس للسلطة وكذلك اختفاء ظاهرة الأنقلابات العسكرية التي كانت تحفل بها المنطقة اذ ان اخر انقلاب عسكري جرى في المنطقة هو الذي اوصل البشير الى السلطة في السودان عام 1989!!! فكرة التوريث في نظام الحكم تعد من الثوابت الأصولية في الثقافة العربية التي ساهم في ظهورها فشل المحاولات الأولى للخلافة الراشدة من ان تبني برنامجا سياسيا ثابتا في إختيار الخليفة الذي كان اختياره يتم في كل من المحاولات الأربعة التي جرت بأشكال مختلفة وممارسات غير متشابهة في محاولات اجتهادية تجريبية غير منصوص عليها من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بإستثناء خلافة علي التي جرت في ظروف خاصة في محاولة من عمر لإيجاد صيغة توفيقية بين التعاليم الأسلامية والواقع الأجتماعي ذي الصبغة القبلية في أول نموذج حقيقي لشكل الدولة يظهر في الجزيرة العربية حيث سبب هذا الأسلوب المرتبك في اختيار الخليفة لأن ترنوا ابصار كثير من الصحابة اصحاب السابقة في الأسلام طمعا بهذا المنصب الرفيع وكل منهم يرى نفسه اهلا لهذا المركز مما تسبب في خلق فتن كبيرة تركت شرخا كبيرا في صفوف الأمة لاتزال اثاره قائمة الى يومنا حينها استطاع عميد البيت الأموي معاوية بن ابي سفيان من التقاط الفرصة الذهبية التي سنحت امامه ليمسك بمقاليد حكم الدولة مؤسسا اول امبراطوارية في تاريخ الأمة ذات عصبة قبلية تتبنى توريث الحكم ولتكون نموذجا لكل ماجاء بعدها من امبراطوريات ودول .من اروع النتائج لهذه الأنتفاضات هي الأطاحة بقدسية ولي الأمر ولم تعد مقولة قميص الحكم يقمصه الله لمن يشاء وقت مايشاء قابلة للتسويق بعد اليوم حيث تم إزالة كل هالات القدسية التي كانت تحيط بهذا المنصب ولم يعد شاغله سوى موظف لدى الأمة تكلفه متى مارأت فيه الأهلية لحكمها وفق عقد اجتماعي بينها وبينه وتطيح به متى خرج عن اشتراطات هذا العقد وهذا بحد ذاته سيرتب تغييرا عقائديا كبيرا في الفكر العربي لأن مسألة السلطة والسلطان لها بعدا عقائديا ضخما في فكر هذه الأمة .ولعل احد اهم العوامل المباشرة لنجاج هذه الأنتفاضات هو هذا الأعتداد بالنفس لدى هذه الجماهير ويقينها من قدرتها على احداث التغيير المطلوب وهو تحول غير مسبوق في وعي هذه الأمة التي كانت مسلمة بالقضاء والقدر وهو يعكس بشكل واضح تأثير وسائل الأتصال الحديث في تشكيل وعي ناهض وجديد للشعوب حيث لم يعد العالم سوى قرية صغيرة وكل مايجري في أي طرف من اطرافه هو تحت انظار الجميع .اثبت كل من الشعبين التونسي والمصري من خلال انتفاضتيهم انتمائهما للعصر من خلال سلمية هذه الأحتجاجات رغم محاولات النظام في كلا البلدين ومن خلال بلطجيته سحب المتظاهرين لمواجهات لحملهم على الرد والتخريب وهو دليل وعي عالي جدا للجماهير المتظاهرة وقياداتها التلقائية التي كسبت بسبب تصرفها المتمدن هذا تعاطف عالمي واسع رغم حجم الأيذاء والأصابات المباشرة التي وصلت حد القتل والذي عكس إفلاس وخواء النظام السياسي هذين البلدين وهو بالتأكيد نفس الخواء والأفلاس للأنظمة العربية في بقية الوطن العربي . واذا مضى ظفر الأمة دون التفاف وتطويق وحرف عن المسار فأن تغييرا هائلا سيضرب اطنابه في الحياة العربية بكل مفاصلها وأهم واخطر مفردة ستدخل الى الثقافة العربية هي مفردة الحرية حيث تأخرت الأمة كثيرا عن اللحاق ببقية الأمم في هذا المجال وهو أمر سيفرض تداعيته كنتائج حتمية ستميط اللثام عن كل مايتعلق بهذه الثقافة خصوصا فيما ورد في التاريخ العربي والأسلامي من وقائع والتي بقيت مسورة بكثير من المحرمات والغموض رغم مرور عشرات القرون عليها اضافة لما ستفتحه نتائج هذه الأنتفاضات من افاق امام الأبداع الثقافي والفني حيث سيكون بأمكان هذا الأبداع بفضل الحرية الفكرية التي ستكون احد اهم الأنجازات المكتسبة لهذه الأنتفاضة المساهمة الفعالة في بناء الشخصية العربية وعصرنة ثقافتها .حتى لو تم احتواء هذه ألأنتفاضة بطريقة او اخرى والحيلولة بينها وبين تحقيق أي نتائج مباشرة فمن الصعب احتواء ماستفرزه من نتائج غير مباشرة وسيبقى تأثيرها على ماسيأتي من أحداث لأمد بعيد . البناء الكارتوني للأنظمة السياسية العربية رغم قسوتها وبطشها تجاه شعوبها لايحتمل أي تنازل او تراجع امام الشعوب وماحصلت عليه الجماهير المصرية من مكاسب نتيجة انتفاضتها الظافرة يعني الكثير الكثير وهو في أحد من مدلولاته يعني بدء العد التنازلي للنظام المصري وبالتالي ستشمل عدواه بقية المنطقة بحكم الثوابت التي تجمعها .ومن بعض الثمرات التي افرزتها هذه الأنتفاضات هو ان حجم التنازلات التي قدمتها الأنظمة لشعوبها تحت وطأة ضغط هذه الأنتفاضات لن يتوقف عند حد فرغم خواء ميزانية كثير من الدول خصوصا غير النفطية نراها تتراجع عن التزاماتها للبنك الدولي وتقدم على تقديم حزمة من الرشى لشعوبها منها ايقاف اجراءات رفع الدعم عن كثير من السلع الأساسية التي تم ايقاف هذا الدعم عنها استجابة لنصيحة البنك الدولي مقابل رفع بعض الديون او تأجيل سداد البعض او الحصول على بعض القروض الجديدة سواء من البنك الدولي نفسه او من خلال دعمه لتيسير الحصول عليها من اطراف اخرى اما في العراق فيجري العمل سريعا على احياء البطاقة التموينية التي تشكل سلة مهمة لغذاء الشعب العراقي بعدما كانت تلفظ انفاسها الأخيرة حيث اقتصرت مفرداتها في الفترة الأخيرة على فقرة او فقرتين وبنوعيات رديئة كما اعلن رئيس الوزراء انقاص راتبه الى النصف وبالتأكيد سيحذو حذوه بقية الرهط من وزراء ونواب وكل ذلك بفضل هاتين الأنتفاضتين والقادم أكثر .عملية التخذيل للجماهير في محاولة ثنيها عن اتمام مسيرتها الظافرة والتي تأتي من بعض اطراف الحكم هو أمر غير مستغرب بل هو أمر طبيعي تماما و غير مستغرب ايضا عندما يأتي هذا الموقف من كثير من رجالات الطبقة السياسية التابعة لنظام الحكم او من رجال الأعمال الذين ارتبطت مصالحهم بشكل وأخر بمصير هذا النظام لكن عندما يأتي هذا التخذيل من بعض الفنانين والكتاب فهو أمر مخيب لظنون وآمال هذه الجماهير بهم ويعني فيما يعنيه تخليهم عن رصيدهم لدى هذه الجماهير وكان الأولى بهم اذا لم يكن يتحلوا بالشجاعة الكافية للوقوف في صف هذه الجماهير ان يقفوا على الأقل على الحياد وأن لايضحوا بمسيرتهم بالمجان لمن لايستحقها .بعض التسميات مثل الأرهاب والقاعدة والسلفية التي وصمت بها الشعوب الأسلامية ومن ضمنها العرب لكون الأعم من سكان المنطقة العربية هم مسلمون هذه التسميات صحيحة في بعض الأحيان ومجانبة للحقيقة في أحيان كثيرة وأسلوب النضال السلمي الذي مارسته الجماهير المصرية ومن قبلها التونسية اسقط هذه التهمة والى الأبد واثبت ان النظام السياسي العربي يرتبط مع الأرهاب في علاقة زواج كاثوليكي والدليل انه رغم انهيار الأمن الرسمي في مصر الا ان أي من دور العبادة للأقباط في القاهرة وغيرها سواء كانت كنائس او اديرة لم يتعرض لأي اعتداء طيلة مدة ألأنتفاضة الشعبية بل ان تجمع ميدان التحرير يوم الجمعة الماضية الذي اطلق عليه جمعة الرحيل شهد في ظاهرة فريدة من نوعها تجاور صلاتين لكل من المسلمين والمسيحين وهو دليل على عمق الأخوة التي تجمع المصريين مسيحيين ومسلمين وهذا يدلل بشكل لالبس فيه تورط النظام المصري ووقوفه وراء اذكاء حرائق الطائفية في مصر عملا بقاعدة فرق تسد .لقد وصل الأفلاس الأخلاقي للنظام المصري الى درجة من الخسة حين عمد الى تدبير عملية تفجير انبوب الغاز المصري المورد الى اسرائيل بأسعار تفضيلية تقترب من المجانية في منطقة العريش على الحدود المصرية وهي منطقة معزولة ومحروسة بعناية و يصعب الوصول اليها والغرض من هذا العملية المفضوحة في دوافعها اثارة الذعر في الوسط السياسي الأسرائيلي لكي يضغط على الولايات المتحدة لكي تعدل عن موقفها المتعجل لرحيل مبارك وتمنح نظامه جرعة بقاء أخرى.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك