المقالات

هكذا المعروف وتسديد الوفاء

998 19:32:00 2010-12-31

سعد الشديدي

قبل بضعة أشهر خرج وزير الخارجية السويدي كارل بيلدت الى شوارع ستوكهولم وفي يده حصّالة صغيرة لجمع التبرعات لحساب ضحايا الفيضانات المدمرة في باكستان. مشهد قد يبدو غريباً في بلداننا.. أن يخرج وزير، أي وزير، ليشارك في حملة تبرعات للأعمال الخيرية. ففي بلداننا يجلس الوزراء في مكاتبهم الموغلة في الفخامة ويجمعون الأموال لحسابهم الخاص وليس لحساب أحد آخر. لكن وزير الخارجية السويدي، وهو بالمناسبة قائد سابق لحزب المحافظين السويدي ورئيس وزراء سابق وشخصية دبلوماسية عالمية ذات سجل حافل بالنشاط الدبلوماسي على الصعيد الدولي إذ أسند اليه الإتحاد الأوربي مهمة الوساطة في حرب يوغسلافيا السابقة 1995، ومهمة رئاسة الممثلية الدولية في البوسنة لمدة سنتين، لم يجد ضيراً في الخروج الى الشارع لجمع التبرعات لضحايا كارثة طبيبعية حصلت في بلد مسلم يقع على بُعد آلاف الأميال من بلاده. فيما كان كارل بيلدت يقف بقامته العالية في ستوكهولم ويتجول بين الشوارع والساحات بين آلاف المارّة الذين لم يستغربوا أو يجدوا غظاظة فيما يحدث أمامهم سوى عدد قليل من الشرق الأوسطيين الذين صدمهم المشهد، كان شاب من أصل - يُقال أنه عراقي - يجلس في الظلام ليخطط لعملية تفجير ارهابية تُنفّذ على مقربة من الشوارع التي كان كارل بيلدت يجمع فيها التبرعات لمسلمي باكستان. هذا الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين من العمر جاء السويد كلاجئ وهو مازال طفلاً. هربت عائلته - التي يُقال أنها عراقية - من جحيم الحروب والحصارات أو لأسباب أخرى لايعلمها سوى الشيطان. فتحت السويد له ذراعيها ومدارسها ومستشفياتها وساحات لعبها وشواطئها وغاباتها ومنحته شعوراً بالآدمية لو شعر به هو أو أهله في وطنهم لما غادروه. درس بالمجّان على حساب السويد وشعبها، عولج بالمجان في مستشفياتها ومراكزها الصحية طوال تلك السنين وكان بإمكانه الدراسة في جامعات السويد التي تُعد من أفضل جامعات العالم مجاناُ إلا أنه فضّل السفر والدراسة في بريطانيا فحصل على قرض دراسي من الدولة السويدية ودُفعت له جميع تكاليف الدراسة في الجامعة البريطانية التي اختارها. كل ذلك على حساب السويد وشعبها. والأكثر من ذلك منحته السويد - وعائلته - جنسيتها وجواز سفرها الذي يستطيع السفر به عبر ثلاثة أرباع بلاد هذا الكوكب دون الحاجة لتأشيرات دخول. مع كل هذا جلس هذا الشاب الذي أتضح أن أسمه تيمور وليس في رأسه سوى شئ واحد هو أن ينتقم. ولكن ينتقم ممن ولماذا؟ ماذا لو كان هذا التيمور الذي يذّكر أسمه بتيمورلنك أحد أكبر سفاحي التاريخ الذين قتلوا من العراقيين ما عجز المؤرخون عن احصاءه، عاش في بلد لم يمنحه ما منحته له السويد طفلاً ومراهقاً وشاباً؟ ماذا لو عاش في بلده الذي هرب منه مع عائلته في ليلة سوداء وتجرّع مرارة الذلّ وهوان الجلوس على مقاعد المدارس في أيام الشتاء القاسية وهو يترجف برداً؟ كيف كان رد فعله لو تلقى كل أنواع الإهانات من معلميه ومدراءه ورؤسائه في العمل طوال حياته؟ ماذا لو ذاق طعم الجوع المرّ ومدّ يده في شوارع بلاده التي أتى منها ليحصل على لقمة عيشه؟ وماذا كان فعل وهي يتلظى عند انقطاع التيار الكهربائي في عزّ الصيف اللاهب؟ هذا التيمورلنك القزم لم يذق كل هذا ولم يره ولم يشعر به لأنه كان يعيش في واحد من أفضل بلدان العالم في مستوى المعيشة والخدمات واحترام حقوق الانسان. وعندما تزوّج ورزق أطفاله الثلاثة لم يسهر الليالي ليفكر بمستقبلهم لأن الدولة التي عزم على تدميرها ضمنت له ولهم مستقبلاً واعداً كغيرهم ممن يعيشون في هذه البلاد. بين موقف كارل بيلدت الذي خرج من مكتب وزير الخارجية الى الشارع لجمع تبرعات لمسلمي باكستان وتيمورلنك القزم الذي كان يحسب أنه يتحدث بإسم مسلمي السويد بون أكبر من شاسع. أنه الفرق بين العقل والجنون، بين الشمعة التي تضئ والريح التي تحاول اطفاءها، بين من ينتمي الى الحياة وذلك الذي لايريد سوى الإنتماء الى عالم الموت. . أما ظلام تيمور هذا الزمان وتيمورلنك القادم من الحقبى المظلمة وآلهتهما الدموية التي تعشق رائحة الدم البشري ويُسعدها منظر الأجساد المتناثرة على الجدران فبعيد عن ديانات العراقيين ومعتقداتهم وثقافتهم وتفصله عن العراق وشعبه نفس المسافة التي تفصله عن وزير خارجية السويد كارل بيلدت الذي خرج الى الشوارع ليجمع التبرعات لمسلمي باكستان

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
زئير فهل من اذان سامعه؟
2011-01-02
أذا انت أكرمت الكريم ملكته وأن أنت أكرمت اللئيم تـمردا وهل ذاك ألا المسخ في بلد النهى تخزى منه من له خلق ورشدا وهل جزاء الاحسان ألا الأحسان وهذا الى الأطياب نهجا مسددا فهل عجب بلادي للمسوخ بكل درب تفاخيخ وأحزمة مخسأة تــؤ د ا هو الارهاب لا عقل ولا خلق ولا ذرات رشدا فهل يوعوا كحر الطف سعدى أو أزيحـــــــــوهـــم فهم أشرار عمدا
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك