المقالات

العهر السياسي: قدم في السلطة وقدم في المعارضة


الكاتب والإعلامي قاسم العجرش

انفتاح المسلسل الديمقراطي وما أفضى إليه من تطور نوعي وصل في أقصى مراحله إلى حد التناوب التوافقي، فقد كان أشبه بالطفرة في تاريخ السكون المتصل شموليا منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة قبل تسعين عاما.

صحيحٌ أن تاريخنا الحديث شهد حركات معارضة اختلفت في الحجم والخطاب والأداء والممارسة والتأثير والتركيب الفكري والايديلوجي، لكنها ما استطاعت أن تتصالح مع المجتمع ككل ومع قواه الشعبية كجزءٍ من تكوينه، بل بقي خطابها يمتح من معين السلطة المرجعية ذاتها وظل وفيا لذات التطلعات التي كانت ترهن العقل السياسي للحركة الوطنية، وغدت هذه القوى المعارضة لا تختلف عنها في المنطق الداخلي للإدراك والتحليل، إلا في سعيها لاستبدال أهل الحكم وطبقته المتحالفة والقائدة بأهلها هي، أما ممارساتها وآليات عملها فقد كانت أشبه بعمل الأحزاب الشمولية الكليانية والإيديلوجية ذاتها، التي خرجت من أحضانها أو المتحالفة مع منطقها. هذا بالتأكيد، لا ينفي التضحيات ''النبيلة'' التي قدمتها هذه المعارضة خلال صراعها ضد قوى الاستئصال والهيمنة السلطوية، ولا يخفى حجم القمع والكبت والحصار الذي مورس عليها قيادات ونخبا وأدوات، ولا يغيّب سوء المقارنة أحياناً بين السلطة والمعارضة لجهة تشابه المنطق والخطاب، ذلك أن فساد السلطة واستشراءه في رجالاتها ونخبها المتنفذة لا يقارن مع التعفف الأخلاقي والعذرية المتطهرة التي ميّزت رجالات المعارضة ونخبها على اختلافهم في الأداء السياسي العام بالرغم مما شاب هذه الصورة من نتوءات.

اليوم في عراق ما بعد التغيير النيساني الكبير في 2003 لا وجود للمعارضة الطاهرة، فالكل بات في السلطة بكل إمتيازاتها وفسادها وموبقاتها، ولذا يحتقن المشهد السياسي لأن الغنيمة كبيرة، وهذا يعني أن الطبقة السياسية لا تعي مسؤولية اللحظة التاريخية، بل أن عينها باتجاه واحد هو بيادر الحصاد،

لقد اصبح العبث من السمات المميزة للعمل السياسي في العراق بسبب ما تراكم منذ عدة سنوات من عمليات سياسية خارج نطاق المألوف، ورغم التغيير الحاصل في الخطابات الرسمية خلال السنوات الأخيرة، فإن العاهات التي أصيب بها المجتمع السياسي أصبحت مزمنة ومستعصية على العلاج. وكلما حلت مواعيد إستحقاقات سياسية تبرز بشكل أكثر وضوحا مظاهر العبث السياسي ،حيث يطغى الهدف الكمي على الأحزاب السياسية، وتكاد تتفق كلها في هاجس الحصول على أكبر عدد ممكن من الإمتيازات، دون الاحتكام إلى معايير الاستقامة والكفاءة والفعالية. فيما بعد الانتخابات النيابية التي جرت في السابع من آذار المنصرم شهدنا عبثا من نمط جديد، يمكن عده عهرا بكل الأبعاد، ذلك هو العبث بالأمن لأغراض الوصول الى السلطة، مامعنى هذا؟ معناه ببساطة شديدة ان فكرة استخدام العنف لفرض الآراء والطلبات السياسية شيء متأصل في عقلية البعض، بل ربما هو واحد من ثوابتهم وإلا فليس هناك من تفسير آخر لخطاب التأزيم الذي يطبع تصريحاتهم ، والمطلوب اذن وأد مشروع التأزيم في مهده وسحب أغطية الوطنية عنه شعبيا وعدم السماح بنمو الطحالب.. ومادرت الطبقة السياسية المتصدية حاليا، أنها تصنع بمسلكها هذا حفرتها بيدها ،وتدفع الشعب لخلق معارضة جديدة تحت الأرض، تماما كما كان حاصل أيام الطغيان الشمولي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك