المقالات

الوجود المسيحي في العراق والخيارات الصعبة

736 17:27:00 2010-11-30

عادل الجبوري

لم تكن عملية اقتحام كنيسة سيدة النجاة في حي الكرادة الشرقية وسط العاصمة العراقية بغداد في الثامن من شهر تشرين الثاني-نوفمبر الجاري، العملية الوحيدة التي تستهدف الوجود المسيحي في العراق خلال الاعوام السبعة والنصف الماضية التي شهدت الكثير من العمليات الارهابية في مختلفة مناطق ومدن العراق، بيد انها قد تكون الاكثر وقعا وتأثيرا، ارتباطا بطريقة التنفيذ وحجم الخسائر البشرية التي خلفتها، ناهيك عن الابعاد المعنوية والنفسية السيئة على ابناء الديانة المسيحية.وما زاد الطين بله ان عمليات استهداف اخرى للمسيحيين شهدتها مناطق من العاصمة بغداد بعد عملية كنسية سيدة النجاة، وعمليات اشد فتكا وقعت في محافظة نينوى(الموصل) التي تضم اقلية مسيحية تشكل نسبة لابأس بها من عموم سكان المحافظة الذين ينتمي اغلبيتهم الى القومية العربية والطائفة السنية.هذا الاستهداف المبرمج والمخطط والمنظم اعاد طرح واثارة تساؤلات قديمة عن مدى امكانية تأمين اوضاع مطمئنة لابناء الاقلية المسيحية في العراق في ظل مظاهر العنف والارهاب المنطلق من نزعات تكفيرية دينية ومذهبية وطائفية؟.وهذه المرة جاءت الاجابات بصورة ردود افعال ومواقف عملية تنطوي على مخاطر غير قليلة.فبحسب تقارير شبه مؤكدة ازداد معدل سفر المسيحيين خارج العراق بعد عملية كنيسة النجاة بنسبة 30% ، ناهيك عن السفر من محافظات بغداد والموصل والبصرة الى اقليم كردستان، اذ اعلن رئيس الاقليم مسعود البارزاني استعداد الحكومة المحلية الكردية لاستقبال ابناء الديانة المسيحية وتهيئة الظروف الامنية والحياتية المناسبة لهم، علما ان اعدادا غير قليلة من المسيحيين تقطن في محافظتي اربيل ودهوك منذ زمن بعيد.واكثر من ذلك، وفي توجه غير مسبوق دعا الرئيس العراقي جلال الطالباني الى تشكيل محافظة مسيحية في منطقة سهل نينوى التي تضم اغلبية مسيحية كبيرة، ورغم ان دعوة الطالباني هذه قوبلت بردود فعل متباينة في داخل الاوساط السياسية والدينية المسيحية بين رافض ومؤيد لها ، الا ان مجرد طرح تلك الفكرة واثارتها يحمل دلالات ومؤشرات لانبالغ اذا قلنا انها خطيرة، لانها يمكن ان تفتح الباب لدعوات ومطاليب مماثلة من قبل مكونات دينية وقومية اخرى مثل التركمان والشبك والايزيديين والصابئة.فعضو البرلمان العراقي والسكرتير العام للحركة الديمقراطية الاشورية(الرافدين) يونادم كنا ، اعتبر ان تشكيل محافظة على خلفية قومية او دينية يناقض الدستور العراقي، معتبرا انه يجب ان تكون المحافظة لجميع مكونات منطقة سهل نينوى وبما لا يتعارض والدستور العراقي، وفي الوقت الذي ثمن دعوة الطالباني اعتبر ان ذلك يناقض المادة السابعة من الدستور، مشيرا الى انه ربما لو كانت الدعوة بصيغة اخرى كأنه يقول في سهل نينوى لتضمن كل المكونات والشرائح الاجتماعية العراقية الموجودة من ايزيدية وشبك ايضا، بجانب الكلدان والسريان والاشوريين فهذا شيء طبيعي وهناك اساس دستوري له وهو المادة 125 من الدستور.ويتبنى ذات الموقف رجال دين مسيحيين من بينهم رئيس اساقفة محافظة كركوك للكلدان المطران لويس ساكو ، الذي يرى ان الدعوات التي تطالب بإقامة منطقة حكم ذاتي للمسيحيين أو تشكيل محافظة خاصة لهم غير عملية، لافتا إلى استحالة تطبيقها على أرض الواقع دون اعداد خطط خاصة بهذا الشأن. اما النائب المسيحي في البرلمان العراقي عماد يوخنا فهو يعد تلك المطالبات بأنها غير دستورية.وكان زعيم طائفة المسيحيين الكلدان في العراق الكاردينال عمانوئيل دلي قد انتقد فكرة منح حكم ذاتي للمسيحيين، مطالبا الاحزاب السياسية المسيحية اعلام القيادات الدينية بمثل هذه المواضيع لابداء الرأي.في الجانب الاخر هناك تحركات على ارض الواقع لتفعيل فكرة تشكيل محافظة مسيحية في منطقة سهل نينوى ، او اقامة منطقة حكم ذاتي خاصة بالمسيحيين، فقد شهدت منطقة عينكاوة المسيحية في اربيل، ومحافظة دهوك في الاونة الاخيرة اجتماعات مكثفة لعدد من القوى والتيارات المسيحية بمبادرة ورعاية الحركة الديمقراطية الاشورية، وتم تشكيل لجنة عليا اطلق عليها اللجنة العليا لمؤسسات وتنظيمات الشعب الكلداني تتمثل مهمتها بدراسة وبحث الخيارات المطروحة وصياغة تصورات عملية بشأنها.مجلس النواب العراقي الذي استأنف جلساته بعد عملية كنيسة النجاة وموجة استهداف المسيحيين بأيام قلائل لم يكن ممكنا له ان يتجاوز او يتجاهل هذا الموضوع الخطير، لذلك تم التوصل بعد ادراج الموضوع على جدول اعمال المجلس ومناقشته، الى تشكيل لجنة برلمانية تبحث الموضوع من كل جوانبها لتقدم بعد ذلك توصيات للحلول والمعالجات الممكنة.ولعل اشكالية او ازمة عدم الثقة بين المكونات والقوى الرئيسية في المشهد العراقي، لم تبقى بمنأى عن المكونات الاجتماعية والسياسية الصغيرة التي تنتابها هواجس ومخاوف من وجود مؤامرات ضدها.نغم يعقوب عضو مجلس محافظة نينوى اتهمت جهات سياسية لم تسمها بالوقوف وراء استهداف المسيحيين في المحافظة مؤخرا لافتة إلى أن استمرار العمليات ضدهم سيؤدي إلى نزوحهم مجددا صوب مناطق أكثر أمنا، مشيرة إلى أن تلك الجهات تحاول عبر هذه العمليات إخراج أبناء الطوائف المسيحية من المحافظة.ومع ان تنظيم مايسمى بدولة العراق الاسلامية التابع لتنظيم القاعدة قد اعلن مسؤوليته عن عملية كنيسة سيدة النجاة ردا على احتجاز سيدتين مصريتين قبطيتين كانتا قد اعتنقتا الدين الاسلامي قبل فترة قصيرة من الزمن من قبل الكنيسة القبطية في مصر، الا ان هناك شعورا لدى بعض الاوساط المسيحية العراقية وخصوصا في محافظة الموصل بأن هناك من يريد الغاء وجودهم وارغامهم على ترك البلاد، والواقع السياسي المعقد المليء بالتجاذبات والتشنجات في الموصل وخصوصا بين العرب والاكراد لابد ان ينعكس بطريقة او بأخرى على المسيحيين، ولايختلف الامر كثيرا في محافظة كركوك التي تتصارع وتتنافس فيها المكونات الثلاثة -العرب والاكراد والتركمان-على السلطة والهيمنة والنفوذ.بيد ان الايادي الخارجية تبقى هي المحرك الاساس لمختلف الاحداث الخطيرة في العراق وغيره، فمصدر امني عراقي اكد قبل يومين ان الخلية الارهابية الضالعة بتنفيذ عملية كنيسة النجاة في منطقة المنصور غربي بغداد والمؤلفة من ما يسمى بوالي بغداد في دولة العراق الاسلامية وعشرة من مساعديه اعترفت بتخطيطها لتفجير مجموعة من المساجد والمواكب الحسينية خلال شهر محرم الحرام لاثارة الفتنة الطائفية من جديد بين السنة والشيعة، مثلما كان الهدف من عملية الكنيسة احداث فتنة بين المسلمين والمسيحيين وارغام الاخيرين على ترك العراق.وفي ذات الوقت فأن عدد من وسائل الاعلام العراقية والعربية والاجنبية تداولت مؤخرا تقارير تتحدث عن ضلوع جهاز المخابرات الاسرائيلي-الموساد-بمخطط لتهجير المسيحيين العراقيين من بعض المناطق التي يقطنونها بالتعاون والتنسيق مع جهات اقليمية.ورغم ان مثل تلك التقارير لايمكن ىالوثوق بها بالكامل، الا انها في الاطار العام تطلق اشارات على طبيعة التفكير والتوجه لدى هذا الطرف او ذاك.وفي كل الاحوال فأن مشكلة المسيحيين العراقيين تبقى جزءا من المشكلة العراقية، ومن غير الممكن البحث عن حلول ومعالجات واقعية وعملية لها بعيدا عن الملف العراقي بكل مفرداته وعناوينه وتعقيداته وعناصره المترابطة مع بعضها البعض.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك