المقالات

العراق وأزمة الهوية

988 13:00:00 2010-11-25

حافظ آل بشارة

هل تواجه الفنون والآداب في العراق أزمة هوية ؟ لا يمكن للابداع ان يظهر الا في ظل الحرية و ما تنتجه من رؤية وتأطير ولا ابداع مع العبودية ، الحقبة الصدامية شهدت استعباد الفنون والآداب لتكون ضمن وسائل تمجيد الحاكم ، وبعد زوال الكابوس سادت موجة من النشاط العشوائي اسفرت عن اعمال ادبية وفنية وفكرية مبعثرة وهزيلة وتفتقر للعمق ، غابت الاعمال الكبيرة والتأريخية ، الحرية توفرت بالفعل وهي اساس الابداع ، ولكنها لا تكفي ، يجب ان تكون هناك قضية تشغل المبدع ، فوراء كل عمل ثقافي كبير تقف قضية تولد لدى المبدع مكابدات خاصة ، ميمية المتنبي في عتابه لسيف الدولة وهي اعظم ما كتب في الشعر العربي هناك قضية انصهر فيها الوجداني بالسياسي وكانت كافية لهز الشاعر هزة اسطورية جعلته يتربع على قمة هذا الفن في لحظة تالق فريدة ، ووراء قصيدة دعبل في مدح الامام السجاد (ع)(هذا الذي تعرف البطحاء وطأته) قضية اشتبك فيها العامل الروحي وما يتعلق به من ولاء وبعد عاطفي تذكيه روح متحدية ، وقد يكون هذا الهاجس حاضرا في قلوب الملايين ولكن تجسيده بهذه العفوية والصدق وبهذه الطاقة التعبيرية الفائقة بحاجة الى تبن ذاتي حيث يخلد في اطار الفن الملتزم ، القاعدة تقول ان الاعمال الخالدة في الفنون والاداب تقف وراءها ارادة وتبن يعيشه المبدع وهو مستعد لأن يموت لأجله ، غاب المنجز الكبير بغياب جيل المبدعين المستعدين لصعود المشانق ، مثقفو السلطة مرتزقة كذابون بلا قيم ولا قضية ، أحيانا تتوفر آلاف المآسي ولكن لا يوجد من يعبر عنها فكأن المثقف سكران ضل في واد آخر ، والمشكلة ليست مشكلة ذكاء او قلة موهبة بل مشكلة فقدان القضية ، فالمأساة أو المظلومية لا تكفي وحدها محفزا لعمل فني أو ادبي فهي مأساة ولكن من وجهة نظر من ؟ وتحتاج الى حل ولكن وفق أي منهج ؟ يجب ان يكون المبدع منتميا الى رؤية كونية معينة او اديولوجيا توفر له المعايير التي تعد مصدرا للقيم ولا يكتفي بالفطرة لأنها معيار ابتدائي يكشف الانحراف ولا يستطيع ادارة الحلول ، فالتأطير يعزز الفطرة ومكوناتها ، وبذلك تتكون قضية وتتبلور هوية . قد يتصور البعض ان هزال المنتج الثقافي العراقي وتشتته سببه فقدان الحد الادنى من الاستقرار الامني ، ولكن الحقيقة ان السبب الاكبر فقدان الانتماء لأن هناك تيارا يرفض الحديث عن شيء اسمه (الانتماء) كرد فعل عاجل على دعوة التأطير لانها تذكر بهيمنة السلطة على الفنون والاداب ، فهم بأسم رفض تلك الهيمنة مجددا رفضوا الانتماء الى أي رؤية ففقدوا المعايير فوجدوا انفسهم يعانون من الضياع ، فاصبح كل منهم عاجزا عن تطوير مواقفه الى رسالة انسانية ، ولو كانت المشاعر الانسانية البدائية وحدها كافية لانتاج آثار مبدعة لظهرت تلك الآثار ، لدينا الآن ظلال باهتة لرؤى يسارية ودينية وليبرالية مختلطة ومرتبكة وباردة ، وهذا يعني ان الهوية العامة او (اللا هوية) لم تعد صالحة لتأطير الابداع بل هي وهم من الاوهام ، أما الهويات الاديولوجية الشائعة فهي محبطة وعاجزة بسبب التجربة الفاشلة التي مرت بها في المحيطين العراقي والعربي ، اذن فالمبدع العراقي بحاجة الى اطار جديد واصيل ينطلق منه ليؤسس منتجه الابداعي ، نحاول متابعة الموضوع في اعمدة أخرى .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك