عادل الجبوري
كانت الساعة تشير الى السابعة وخمس دقائق من مساء يوم الثلاثاء، الثاني من شهر تشرين الثاني-نوفمبر الجاري، حينما عرضت بعض القنوات الفضائية العراقية في اسفل شاشاتها خبرا عاجلا عن سلسلة تفجيرات بالسيارات المفخخة في عدد من مناطق العاصمة العراقية بغداد العاصمة.اثنى عشر تفجيرا-او اكثر- تزامن حدوثها في وقت واحد تقريبا شهدتها مناطق الكاظمية والشعلة والحرية وحي العامل والبياع والسيدية والشعب وبغداد الجديدة وابو دشير خلفت بحسب الاحصائيات الاولية مايقارب اربعمائة ضحية ما بين شهيد وجريح ، ناهيك عن الاضرار والخسائر المادية في الممتلكات الخاصة والعامة.جاءت سلسلة العمليات الارهابية الاخيرة بعد ثماني واربعين ساعة من عملية اقتحام كنيسة سيدة النجاة في منطقة الكرادة الشرقية وسط بغداد من قبل مجموعة ارهابية كانت تتنكر بزي وسيارات الشراكات الامنية، حيث احتجزت اكثر من مائتي شخص من اتباع الديانة المسيحية كانوا يؤدون طقوسهم الدينية، واشترطت لاطلاق سراحهم وانهاء العملية قيام الحكومة العراقية بأطلاق سراح عدد من المعتقلين الارهابيين المنتمين الى تنظيم القاعدة.واذا كانت عملية كنيسة سيدة النجاة ققد مثلت انتكاسة امنية خطيرة، فأن احداث الثلاثاء المروع اشرت بما لايقبل الشك ولا الجدل والنقاش بأن هناك انهيارا-وليس اختراقا-امنيا كبيرا للغاية. فعملية الكنيسة التي انتهت بمقتل الارهابيين -وهذا امر متوقع وطبيعي، لانهم على الارجح لم يضعوا في حساباتهم انهم سينفذون العملية بنجاح ثم ينفدون بجلودهم-كانت وفق كل المعايير والاعتبارات الامنية والعسكرية فاشلة، لانها اسفرت عن مقتل عدد غير قليل من الرهائن، ولم تكن مثلما صورها وزير الدفاع عبد القادر العبيدي ومسؤولون امنيون كبار من انها كانت سريعة وناجحة، فسرعة اتمام العملية لايعكس نجاحا اذا كان مقدار الخسائر بالارواح كبيرا ، ناهيك عن ان ماينبغي ان توضحه وتجيب عنه الاجهزة والمؤسسات الامنية والعسكرية والسياسية العراقية هو كيفية نجاح المجموعة الارهابية بأختراق عدد كبير من نقاط التفتيش والحواجز التي تخضع مختلف السيارات وعموم الاشخاص الذين يمرون منها لتفتيش دقيق بأجهزة كشف المتفجرات ، وتقوم بالتحقق من هويات الاشخاص. ومن حيث الجوهر والمضمون لم تختلف عملية كنيسة سيدة النجاة عن احداث الثلاثاء المروع، مثلما ان كليهما لايختلفان عن احداث الايام الدامية التي شهدتها بغداد ومدن عراقية اخرى في العام الماضي في مثل هذه الايام ومابعدها.الناطق بأسم وزارة الدفاع العراقية اللواء محمد العسكري قال في تصريحات لبعض وسائل الاعلام بعان الوضع بعد وقت قصير من وقوع الانفجارات ان الوضع تحت السيطرة ودعا المواطنين العراقيين الى الاطمئنان بقدرة الاجهزة الامنية والعسكرية للاضطلاع بمهامها وواجباتها.وقد سمعت هذه التصريحات وانا اتجول في احد شوارع العاصمة، وسمعت التعليقات الغاضبة والساخرة في نفس الوقت حيال ما يطلقه المسؤولون العراقيون من تصريحات لاتمت الى واقع الحال بأي صلة في اوقات الازمات. ربما لانأتي بجديد اذا اردنا ان نتوقف عن اسباب وخلفيات وظروف مثل تلك الانهيارات والتداعيات الامنية الخطيرة، لانها تكررت مرات ومرات، وباتت جزءا رئيسيا من المشهد العام في العراق، ولاتختلف اليات وادوات التخطيط والتنفيذ بين بعضها البعض الا في حدود ضيقة.ولكن يمكن ان نعثر على ما هو جديد ونحن نطل على المشهد الامني من زاوية سياسية، نلفت الانتباه من خلالها ان اصابع وبصمات تنظيم القاعدة كانت واضحة الى حد كبير، فتنظيم مايسمى بدولة العراق الاسلامية اعلنت مسؤوليته عن عملية كنيسة سيدة النجاة وتوعد في ذات الوقت بأستهداف الاقباط في مصر، وتفجيرات الثلاثاء وقعت بسيارات مفخخة واحزمة ناسفة يقودها ويرتديها انتحاريون.والنقطة الاخرى تتمثل بوجود تواطوء واختراق في داخل الاجهزة الامنية والعسكرية الحكومية لمح اليه رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي في كلمة متلفزة له عقب اجتماع طاريء للوزراء والقادة الامنيين والعسكريين بعد التفجيرات، حينما لوح بأنزال اقصى واقسى العقوبات بالضباط الذين يتهاونون او يترددون في التصدي للارهابيين، واعتبارهم شركاء في الجرائم التي تحصل ان لم يقوموا بواجباتهم على اكل وجه، فضلا عن تقديم قيادة عمليات بغداد الى التحقيق للوقوف على الاسباب الحقيقية لما حصل، علما ان المالكي كان قد اعفى الفريق الركن عبود كنبر من قيادة عمليات بغداد قبل اقل من عام على خلفية العمليات الارهابية المتتابعة التي استهدفت عدد من الوزارات والمؤسسات والمواقع الحساسة كوزارات الخارجية والعدل والمالية ومحافظة بغداد، ولم يحدث هذا التغيير في المواقع أي نتائج ايجابية ملموسة.والنقطة الثالثة هي ان عملية الهجوم على الكنيسة ومن بعدها عمليات الثلاثاء المروع جاءت بعد ايام قلائل من اطلاق مبادرة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز ودعوته الساسة العراقيين للاجتماع في الرياض بعد عيد الاضحى من اجل التوصل الى مخرج مناسب لازمة تشكيل الحكومة. هذه المبادرة التي احدثت لغطا وجدلا واسعين في الساحة العراقية حول مجمل السياسات السعودية حيال العراق ، سواء في عهد نظام صدام او بعد سقوطه في نيسان-ابريل من عام 2003.ولعله من غير الواضح مدى صحة التقارير التي تداولتها بعض وسائل الاعلام عن ضلوع الرياض وان بصورة غير مباشرة بعملية الكنيسة وتفجيرات الاربعاء، وارادت من خلال ذلك ان توجه رسالة الى الذي رفضوا مبادرتها، ولاسيما رئيس الوزراء نوري المالكي، مفادها بأنها مازالت قادرة على خلط الاوراق وارباك الاوضاع في الشارع العراقي، اذا لم يتعاطى العراقيون مع مبادراتها السياسية بطريقة ايجابية.وفي حال صحت مثل تلك المعلومات ام لا، فأن المؤشرات والمعطيات الواقعية توحي بأن مجمل الازمة السياسية الخانقة راحت تلقي بظلالها الثقيلة على الواقع الامني، وانه كلما تأخر الحل والحسم، كلما وجدت اطراف داخلية وخارجية مجالا للدخول على خط الازمة وتمرير هذه الاجندة او تلك.
https://telegram.me/buratha
