عادل الجبوري
تعمدت الا استخدم مفردة "المستحيلة" بدلا من "العسيرة" في عنوان هذا المقال، لانه مهما كانت المؤشرات والمصاديق واضحة وقوية على استحالة نجاح رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي بتشكيل الحكومة بعد ترشيحه من قبل ائتلاف دولة القانون وبعض مكونات الائتلاف الوطني العراقي بالتزكية، فأن السياسة لاتعرف الطرق الموصدة والخيارات المستحيلة، والمشهد السياسي العراقي تحديدا يتسم بالمتغيرات والتحولات السريعة في المواقف والاتجاهات، ومن يتبنى اليوم رؤية سياسية معينة، من الممكن جدا ان يتبنى يوم غد رؤية سياسية مختلفة عنها تمام الاختلاف، كما هو الحال مع التيار الصدري الذي رشح قبل اقل من شهر القيادي في المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة المقبلة، وكان اكثر المعارضين لتولي المالكي المنصب مرة اخرى، لكنه عاد ليرفع يده عن عبد المهدي ويدعم المالكي بقوة!.وبصرف النظر عن خلفيات وملابسات وظروف تبدل موقف التيار الصدري الذي لمح بعض قيادييه الى جزء منها، وكذلك اشار اليها زعيم التيار السيد مقتدى الصدر، فأنها اوجدت حراكا في الساحة العراقية على ايقاع مختلف. البعض نظر اليه بأنه خطوة لانهاء ازمة تشكيل الحكومة، والبعض الاخر رأى فيه دورانا في ذات الحلقة المفرغة، لان هذا التوجه غير كاف لوحده لرسم وصياغة معادلات سياسية جديدة من شأنها كسر حالة الجمود السياسي التي خيمت على المشهد العراقي طيلة الشهور السبعة الماضية.امام المالكي الان الذي يحتاج الى سبعة وعشرين صوتا بأقل تقدير حتى يضمن حصول الحكومة التي من المفترض ان يشكلها على ثقة مجلس النواب، ورقة كردية تتضمن تسعة عشر بندا بعضها مقترحات ورؤى ومباديء تعد امورا بديهية لايختلف عليها اثنان، وبعضها الاخر شروط يتحفظ عليها -بل ويرفضها الكثيرون-مثل حصة الاكراد في الحكومة وامتلاكهم ما يشبه الفيتو لاسقاطها متى ما شاءوا، وقبول المالكي بها في اطار التكتيك لتحقيق النجاح في مهمته، يعني اصطدامه بالقائمة العراقية ذات الواحد وتسعين مقعدا، والتي من دون مشاركتها في اية حكومة يعني فتح الباب واسعا لكل الخيارات والاحتمالات السيئة، ويعني ولادة حكومة ميتة في المهد. والسؤال هنا كيف سيوفق المالكي بين الشروط والمطاليب الكردية والمعارضين لها، ليستوعب كلا الاتجاهين تحت مظلة حكومته؟.وفي مقابل ذلك فأن القائمة العراقية، على فرض انها تخلت عن مطلبها "العقيم" برئاسة الحكومة لصالح المالكي فأنها سترفق ذلك التنازل بقائمة مطاليب وشروط قد تكون تعجيزية، ولن تقبل بوعود وتعهدات شفوية عائمة من دولة القانون. ناهيك عن ذلك فأنه بحسب مصادر مطلعة فأن المالكي اغدق وعودا مغرية على الصدريين، كما لو ان الحكومة المقبلة ستتشكل من ائتلاف دولة القانون والتيار الصدري فقط.قد ينجح المالكي من من خلال تقديم التنازلات الكبيرة في تقريب بعض الفرقاء السياسيين اليه، لكنه بالتأكيد لايستطيع ايجاد فريق ناجح منهم، ولايستطيع الايفاء بوعوده لهم. لكن حتى الان فأن الاشارات من العراقية غير مشجعة بالنسبة له، واشارات الكردستاني متقاطعة مع بعضها البعض، فرئيس اقليم كردستان بعث برسالة واضحة عبر رئيس حكومة الاقليم برهمو صالح الى بغداد مفادها ان الاكراد لن يشتركوا في حكومة تغيب عنها العراقية ويغيب عنها المجلس الاعلى الاسلامي العراقي بزعامة السيد عمار الحكيم، بينما يصرح نيجرفان البارزاني ابن شقيق الرئيس والرجل الثاني في الحزب الديمقراطي الكردستاني بأن ترشيح التحالف الوطني للمالكي يمثل خطوة بأتجاه حل ازمة تشكيل الحكومة، وهي اشارة فسرها البعض، لاسيما فريق المالكي بأنها دعم كردي واضح للاخير.وهناك في بغداد قناعة كبيرة لدى مختلف الاوساط والمحافل السياسية، وكذلك الشارع العراقي بأن الفرقاء السياسيين العراقيين لايمكن ان يتوافقوا فيما بينهم على صيغة مناسبة تمثل في النهاية مخرجا مناسبا لحل عقدة-ازمة- تشكيل الحكومة، وان عامل الحسم لابد ان يكون خارجيا، اقليميا ودوليا.واشنطن التي كانت تسعى جاهدة الى تسويق وفرض مشروعها القاضي بتشكيل تحالف بين ائتلاف دولة القانون والقائمة العراقية يفضي الى تقاسم السلطة بين المالكي وعلاوي، بتولي الاول رئاسة الحكومة والثاني رئاسة المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية مع مواقع اخرى مهمة لقائمته، وفي ذات الوقت اقصاء التيار الصدري تماما وتهميش المجلس الاعلى الى حد كبير، وجدت واشنطن نفسها في وضع لاتحسد عليه بعد اصطفاف التيار الصدري مع المالكي وبقاء العراقية خارج اللعبة، وهو ماجعلها متحيرة، خصوصا وان تغير موقف التيار الصدري لصالح المالكي جاء بفعل ضغط ايراني واضح، كان الهدف منه قطع الطريق امام المشروع الاميركي وتقليص -ان لم يكن انهاء-فرص القائمة العراقية في الاستحواذ على رئاسة الحكومة.لم يذهب احد من الساسة العراقيون الى واشنطن، وانما توجهوا الى العواصم العربية لان هناك نقاط التقاء واوجه شبه بين المشروع الاميركي وحسابات بعض الاطراف العربية ، فأياد علاوي توجه الى القاهرة والتقى الرئيس المصري حسني مبارك وكبار المسؤولين هناك، ورئيس المجلس الاعلى السيد عمار الحكيم زار دمشق والتقى الرئيس السوري بشار الاسد، فيما حمل وفد من ائتلاف المالكي رسالة الى امير قطر تتضمن شرحا وتوضيحا لتصورات ورؤى المالكي لتشكيل الحكومة، ويبدو ان عواصم عربية واقليمية اخرى كعمان والرياض والكويت وانقرة ستشهد مباحثات بين صناع القرار فيها وساسة عراقيين.وغير واضح حتى الان قدرة المالكي وفريقه على اقناع بعض الاطراف العربية والاقليمية بقبوله، ومن ثم استعداد تلك الاطراف للضغط على خصومه ومنافسيه لخوض تجربة اربعة اعوام اخرى معه.ولعل من بين نقاط ضعف المالكي هو انه لايعد من الناحية الواقعية مرشح التحالف الوطني بالكامل، وانه مدعوم بقوة من قبل طهران وهذا مبعث قلق وعدم ارتياح لجيران العراق العرب، ومن ضمنهم دمشق الحليف التقليدي الاستراتيجي لطهران منذ ثلاثين عاما، وكذلك فأنه مرفوض من القائمة البرلمانية الاولى في نتائج انتخابات السابع من اذار-مارس الماضي، اضف الى ذلك فأن المرجعية الدينية في النجف الاشرف لم تطلق اية اشارات ، لاضمنية ولاصريحة لصالحه.لانقول ان مهمة المالكي مستحيلة، لان تلك المفردة لاتمتلك حيزا في فضاء السياسة، ولكن القول بأن تلك المهمة عسيرة هو الاقرب الى الواقع، وقراءة اكثر دقة وعمقا لمعطيات الواقع قد تنتهي الى قراءة استشرافية مفادها ان المالكي سينتهي الى نفس النتيجة التي انتهى اليه سلفه الحزبي والحكومي ابراهيم الجعفري قبل اربعة اعوام ونصف، وهو مايعني العودة الى خيار مرشح التسوية، وهو مايعني ايضا استبعاد احتمال حل ازمة تشكيل الحكومة قبل نهاية العام الجاري.
https://telegram.me/buratha