الشيخ اكرم الاسدي
قد يكون الخوض في الكليات والمواقف الافتائية لتحديد وظائف المكلفين دون الدخول في تفاصيل العمل السياسي والتصدي الواضح في الحكم والسلطة في تلك المرحلة امراً مبرراً ومقبولاً ولاعتبارات يمكن إجمالها بالنقاط التالية:اولاً - ان النضج السياسي للامة وظروف الوعي العام لا يسمح للتصدي او الدخول في تفاصيل العمل السياسي لفقهاء وفضلاء الحوزة العلمية، وقد كان المجتمع في بداياته ينظر الى عالم الدين الموجة والمحدد للحكم الشرعي في اجواء روحية وفكرية لا تتحمل او تحتمل صخب السياسة القائمة آنذاك والاعيبها.ثانياً- انشغال رجالات الحوزة بالتحصيل الفقهي والدفاع عن المذهب وتمتين الوعي العقائدي في مواجهة الشبهات والاراجيف ضد التشيع.ثالثاً- الحكومات المتعاقبة على العراق كانت علمانية صرفة ولم تسمح او تفسح أي دور للفقهاء ورجالات الحوزة العلمية في التدخل في هذا الميدان الذي اصبح حكراً على هؤلاء بينما اريد للمسجد ان يكون حكراً لفقهاء الدين وهو ما يمثل تحجيماً وتقزيماً للحوزة العلمية وقد مارس هذا الدور الخبيث المقبور عبد السلام محمد عارف وواصل امتدادته المقبور احمد حسن البكر وختم ابشع ممارساته الطاغية صدام المقبور.ثالثاً- عدم جدوى وجدية التصدي للعمل السياسي في ظروف العراق السابقة وقد تكون المفاسد المترتبة على هذا التصدي اكبر من المصالح المتوقعة ودرأ المفاسد اولى من جلب المصالح كما يقال ولذا عزف رجالات الحوزة العلمية عن هذا التصدي واكتفوا بارسال الوكلاء والمبلغين الى مدن العراق ونواحيه وقراه وهو ما يعمق العمل الثقافي والاجتماعي وسط الامة.رابعاً- زمام الامر والسياسية كانت تتلاعب به القوى الدولية المحتلة للعالم العربي والعراق تحديداً في شؤونه السياسية وخياراته السلطوية فكانت بريطانيا المحتلة للعراق منذ عام 1917 ولم تسمح الظروف الدولية والاقليمية في تلك المرحلة من فسح المجال للوطنيين ممن ممارسة دورهم السياسي الا بعد عبر قنواتها.والجدير بالتذكر ان ثمة مغالطة يثيرها الكثير من الكتاب والباحثين ينبغي الاشارة العابرة اليها وهي ان تقييم الواقع الماضي او الحقبة الماضية وفق تغييرات وتطورات الراهن المعاصر والظروف المستجدة هو تقييم منقوس وبائس وخلط تعميمي يربك اية دراسة يراد من خلالها الموضوعية والدقة.فان تقييم المرحلة التي مرت بها الحوزة العلمية في النجف في عهد مرجعية الامام محسن الحكيم وظروفها الموضوعية على اساس التطورات والمتغيرات الحاصلة في وعي الامة والمجتمع والانفتاح الايجابي الحالي للفقهاء وما وفرته لهم التجربة الاسلامية في ايران بعد تأسيس اول جمهورية اسلامية في العالم هو تقييم خاطىء لا يمكن الاعتماد عليه فلابد ان نبحث ونؤرخ لتلك المرحلة بظروفها وحيثياتها لا على ضوء المتغير الراهن.ومن هنا فان الكثير من الدراسات جاءت وفق هذه المغالطة والتعميم بين ظروف المرحلتين اللاحقة والسابقة فكانت دراسات غير منضبطة وغير دقيقة.لابد ان تكون كل مرحلة بمعزل عن المرحلة التي بعدها ويمكن البحث المقارن لتلك المرحلتين دون تقييم مرحلة بظروفها الخاصة اعتماداً على مرحلة متقدمة تختلف عن الاخرى باكثر من فارق ومناسبة.ومن المفارقات التي يمكن الاشارة اليها بين المرحلتين هي انه قد يعاب على الفقيه الذي كان يقترب الى السياسة او علوم التفسير والفلسفة وقد يواجه سيلاً من الاتهامات من الوسط الحوزوي والمجتمعي الذي لم يألف مثل هذه التحركات الغريبة في الجو العام بينما اصبح العكس في حاضرنا الراهن فان الفقيه الذي لا يتدخل في شؤون السياسة والمجتمع ولا يكون ملماً بالتفسير او مطلعاً على الفلسفة سيواجه بنفس الاتهامات التي تطلق في المرحلة السابقة على الفقهاء الذين ينعزلون تماماً عن هذه القضايا الفاعلة.واذا كان السيد الشهيد محمد باقر الصدر هو رائد المنهج الحركي الاسلامي في بدايات المرحلة في العقد السبيعيني فان ظروفه السياسية وبطش الحكومة البعثية وحربها الاستباقية واجراءاتها الاحترازية لاجهاض التحرك الاسلامي اربكت مشروع السيد محمد باقر الصدر السياسي ولم تمنحه فرصة لالتقاط الانفاس وانجاح المشروع السياسي او هضمه واستيعابه بسبب الموقف السلطوي القمعي لجره الى ساحة المواجهة بوقت مبكر دون توفر ادنى المقدمات والاستعدادات للدخول في المواجهة وهو ما اسهم في حرق المراحل للسيد الشهيد محمد باقر الصدر والنظام الصدامي نفسه فانتهى المشروع السياسي باستشهاد السيد الصدر في التاسع من نيسان 1980.وما لم يتوفر من ظروف مناسبة واجواء مساعدة للسيد الشهيد محمد باقر الصدر بسبب المواجهة السريعة ونهايتها بشهادته فقد توفرت فرصاً لاتمام الدور وتعميق امتدادته والسير على نهجه وهو ما أداه باقتدار كبير اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم شهيد المحراب وما تحقق بفضل الظروف الموضوعية التي احاطت بمشروعه السياسي والفسحة التي وفرها مواقع الهجرة والتواصل مع الداخل اسهمت في انجاح المشروع السياسي لشهيد المحراب.فأصبح بحق الشخصية الوحيدة في العراق التي تمثل الامتداد الطبيعي لمنهج ومشروع الشهيد محمد باقر الصدر هو شهيد المحراب وهذا ليس إدعاءً او تحليلاً بل الواقع السياسي ومسيرة المعارضة السياسية اثبتت حقيقة هذا المنهج والدور الريادي والقيادي لشهيد المحراب.وقد كان هذا الخيار الصعب في الاستمرار بالمنهج والمشروع السياسي في مواجهة الحكومة البعثية لا يختلف كثيراً بصعوباته وتعقيداته عن الدائرة داخل الوطن وما لاقاه الشهيد محمد باقر الصدر.فالتصدي للعمل السياسي في اعقد مراحل العراق واصعبها يحتاج الى قدرة استثنائية واستعدادات اضافة وهمة قيادية وهي ما توفرت مجتمعة بشهيد المحراب الذي تصدى وهو يدرك خطورة وتداعيات هذا التصدي الشرعي الذي فرضته عليه مسؤوليته الوطنية والدينية والشرعية في وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
https://telegram.me/buratha