كشف تحقيق استقصائي، أن الحكومة الإماراتية، قامت بدفع أموال طائلة في سبيل تشويه سمعة جارتها قطر.
وذكر تحقيق نشرته وسائل إعلام مختلفة بينها صحيفة "ديرشبيغل" الألمانية، وموقع "درج" اللبناني، أن أبو ظبي دفعت الملايين ثمن معلومات جُمعت بطريقة غير قانونية، اشترت خلالها ذمم مسؤولين أوروبيين.
بحسب التحقيق، تعاقدت الإمارات مع "ملك المحققين الخاصين"، لتشويه سمعة قطر. ماريو بريرو، وهو سويسري سبعيني معروف أيضاً بلقب "بابا المحققين"، يدير شركة "مرتزقة لكن بأخلاق" حسب ما يقول، وتمكن على مدى أكثر من ثلاثة عقود من أن يكون واحداً من أبرز مديري شركات التجسس الخاصة التي عملت لحساب أوليغارشيين روس ومليارديرات فرنسيين، من بينهم الفرنسي برنارد أرنود والرئيس الكازخستاني المخلوع نور سلطان نزارباييف.
منذ عام 2017، يتنقل ماريو بريرو على حساب الإمارات بين الفنادق والمطاعم الفاخرة، متملقاً مشغليه ومستهدفاً كل من “يظن” أنه منحاز إلى قطر أو منتمٍ إلى الإخوان المسلمين.
في صورة يرجّح أنها التُقطت في أبو ظبي، نرى رجلاً مُرتدياً الغترة والعقال الخليجي، وتعتلي وجهه نصف ابتسامة لا يمكن تفسيرها بدقة، لكن يمكن القول إن وجه السويسري "ماريو بريرو" يحمل ملامح سخرية. الأمر أشبه بتنكّر من نوع ما أو شكل من أشكال التملق. كلا الاحتمالين يلائمان بريرو، صاحب شركة ALP السويسرية للخدمات الاستخبارية، التي تقاضت ملايين الدولارات لبيع أبو ظبي معلومات جُمعت في غالبيتها من مصادر مفتوحة وبعضها بطرق غير قانونية، من بينها التجسس واختراق الخصوصية.
التحقيق الذي ينشر على سلسلة تحت عنوان "أسرار أبو ظبي"، يستند إلى وثائق سرية تمت مشاركتها مع شبكة الإعلام الأوروبية للتحقيقات (EIC)، ووسائل إعلام عالمية.
تكشف التحقيقات عن أنشطة شركة ALP ودورها في تقديم خدمات استخباراتية للإمارات العربية المتحدة، تحوي الوثائق آلاف الصور، ورسائل الواتسآب، والتسجيلات الصوتية والنصوص التي تم الحصول عليها عبر مجموعة من القراصنة، الذين حاولوا في البداية بيع الوثائق ولكن بالنتيجة، وعبر وساطات، سُلمت إلى الصحافيين من دون أي مقابل مادي.
تُدخلنا الوثائق إلى عالم الجاسوسية الخاصة، ومنظمات الضغط السياسي المشبوهة وحملات تشويه السمعة. بالعودة إلى بريرو، فما يعزز الشعور بسخرية الرجل، ما كشفته الوثائق من محادثات بينه وبين زبائنه الظبيانيين،إذ يظهر كمُساير مُتملقٍ، يُخاطب زبائنه بألقاب من نوع "سعادتك"، وبعبارات كـ"هذا شرف عظيم بأن نضع خدماتنا بتصرف بلدكم"، بحسب "درج".
بريرو شخصية كبريتية. هادئ ومبتسم في الظاهر، بخاصة في حضور الزبائن المتمكنين مادياً. ولكن في مقر الشركة في جنيف، وراء ظاهر مهني وصحي، تسود ثقافة خوف يعرفها كل من عمل عن قرب مع المحقق الذي راكم خبرات تقاطعت بين عوالم التجسس والمصارف والصحافة. العاملون مع بريرو يعلمون أن الرجل لا يحترم أي نوع من أنواع الخصوصية. في مكتبه، مع فريقه المؤلف من عشرين شخصاً، ومع زبائنه أينما التقاهم، يسجل كل شيء، كل مكالمة وحديث ومراسلة، يحفظ التسجيل في أرشيف قد يأتي وقت ويحتاجه في حال تغيرت طبيعة العلاقة مع أي شخص كان. لم يحسب بريرو أن يكون هو ضحية تسجيلاته التي تظهره كرجل من زمن آخر، يسخر من كل شيء ومن دون أي حساسية لأي اعتبار لأي معتقد. همه الوحيد، جمع المال، وفي التسجيلات لا يخفي كل ما ذكرناه.
غالبية المشاريع التي يتولاها تبدأ بدعوات يتلقاها إلى مناطق مشمسة، وفي فنادق فخمة تتخللها دعوات إلى العشاء وتناول المحار، ولقاءات لمناقشة خطط سرية وحملات مضادة بملايين الدولارات، تتخللها صور يلتقطها سراً لعملائه.
في العام 2017، كان الخلاف الإماراتي- القطري في أوجه، وحينها شكلت مقاطعة قطر من السعودية ومصر والبحرين والإمارات فرصة ذهبية لبريرو الذي يبحث دائماً عن زبائن جدد. بعد شهرين من اتصال أولي، توجه بريرو إلى أبو ظبي، تلبية لدعوة مدفوعة التكاليف من الإمارات.
بدأت القصة صباح 7 آب/ أغسطس 2017، كان بريرو يبلغ يومها الـ 71 عاماً. من غرفته في فندق فيرمونت، أرسل “بابا العمل الاستخباراتي” رسالة هاتفية جاء فيها “عزيزي مطر، نحن في أبو ظبي، في أجنحة فيرموت الرائعة. شكراً مرة أخرى على هذه الدعوة. نحن بتصرفك بشكل كامل“.
كان بريرو في أبو ظبي لتوقيع عقد بناء على عرض قدمته شركته التي مقرها جنيف قبل ذلك بأسبوعين، وفي الاجتماع مع الإماراتيين، شرح بريرو الخطة المؤلفة من 11 صفحة، أشار فيها بطريقة صريحة كيف يمكن لـALP أن تساعد الإمارات للتخلص من أعدائها عبر الإعلام، بفضل ما يعرف بالـ Black PR، يقولها بريرو بوضوح: “بإمكاننا أن ننال من سمعتهم بطريقة سرية إنما واسعة النطاق عبر نشر معلومات محرجة ومسيئة”.
لا نعرف الكثير عن مطر. ما تكشفه المعلومات أنه كان أول من التقى بريرو في أبو ظبي. بعد تلقيه الرسالة عبر واتسآب توجه بسيارته إلى فندق فيرمونت ليقل ضيوفه قبل اصطحابهم إلى مطعم لبناني. خلال العشاء، أخذ بريرو صورة (بطريقة سرية) يظهر فيها مطر، رجل يبدو في الأربعين من عمره، ذقنه حليقة تضاهي بدقتها ترتيب بقية زيه المحلي.
لا يضيع بريرو أي وقت، وخلال العشاء يمهد لخطته التي يعلم أنها ستكون دجاجته التي تبيض ذهباً. يتحدث بحماسة عن قوة الـDark PR، “الخبراء يقولون إن هيلاري كلينتون خسرت الانتخابات بسبب الأخبار الكاذبة التي انتشرت عبر الإعلام التقليدي والسوشيل ميديا، وهذا ما سنفعله مع خصومنا”.
أبدى مطر سعادة كبيرة عندما سمع هذا الكلام، وفي اليوم الثاني كان لقاء ثان، وهذه المرة في مطعم سمك، عاد بعدها بريرو إلى سويسرا، وأرسل إلى مطر رسالة نصيّة قال فيها:
“للحصول على مادة استخباراتية قابلة للتنفيذ، تكون كفيلة بتغيير قواعد اللعبة وفي الوقت نفسه مبنية على وقائع، ستكون نشاطاتنا معقدة للغاية، مكلفة ومحفوفة بالمخاطر. نحن ملتزمون بهذه القضية. إنه التعاون الأول بيننا، وهي فرصة لمساندة قضية نبيلة لخدمة بلدك”.
تنفيذ استراتيجيّة بريرو واختيار الأشخاص تما عبر "خريطة" بالمعنى الحرفي، ومجلد من 161 صفحة باسم “أرنيكا”، نسبة إلى زهرة في سويسرا، يحوي اسم أكثر من ألف شخص من 18 دولة أوروبية وعشرات المنظمات البحثية والخيرية، تدعي ALP أنهم “جميعاً” من الإخوان المسلمين أو المقربين منهم، وباستخدام الأسهم والمعلومات الشخصية رُسمت شبكة علاقات كبيرة تجمعهم، وكأنهم يتبعون شخصاً أو مؤسسة واحدة، وجهودهم كلها مُنسّقة.
https://telegram.me/buratha