بعد الهجمة الاعتيادية الوهابية على معرض القاهرة الدولي للكتاب ومصادرة الفكر كسلاح وحيد أمام العجز عن مواجهته، تصدرت عناوين الاخبار "مصادرة كتب شيعية من معرض الكتاب" بعد التقدم بشكاوى ومطالبات سلفية استجابت لها أجهزة الأمن! وطال هذا الإفلاس الهجوم على كتب فكرية لمجرد أنها تعارض أو تنتقد دور آل سعود في المنطقة أو لأن كاتبها لا ينتمي الى المنظومة الفكرية الوهابية مثل كتب الدكتور احمد راسم النفيس، على الرغم من ان الكتب التي تمت مهاجمتها سياسية بالأساس مما يشي بالأغراض السياسية التي تقف وراء الحملة وانها صادرة من الطابور الخامس السعودي بمصر.
ولعل كتاب "مصر وال سعود...الحب المستحيل"، الصادر عن دار "أوراق للنشر" للمفكر المصري الدكتور احمد راسم النفيس، كان من أهم الأسباب الكاشفة لتلك الحملة السياسية.
فالكتاب كما سيستعرضه سريعاً هذا التقرير لا توجد به أي قضايا طائفية وانما كشف عميق وموثق لدور ال سعود في استهداف الأمة وتفتيتها واستهداف الدور المصري والسوري والمقاومة بشكل عام لحساب المصالح الصهيوـ امريكية.
الكتاب يخترق به النفيس حواجز الصمت المدفوع أجره بترودولارياً تارة أو خوفاً امنياً تارة أخرى.
الكتاب وكما هي عادة النفيس، فهو ينطلق بلا أسقف توازنية في إيصال افكاره من جهة، ويدعم مقولاته وأفكاره بالتاريخ الذي يعشقه ويعتبره كنزاً معرفياً ثميناً وبوصلة لا تخطئ من جهة أخرى.
هذا الكتاب ترجع أهميته لأنه يؤصل لأساس الإرهاب الحديث بعيداً عن التجاذبات المذهبية والعودة للتراث الاسلإمي الذي أصبحت العودة لنقده خلافية وتقود لمعارك تحرف البوصلة عن الهدف الرئيسي وهو تبرئة الدين من الإرهاب.
واعتمد النفيس في الكتاب تأصيلاً حديثاً صارخاً متعلقاً بالوهابية التي هي أم الإرهاب والتي يحاول الكثيرون تناول الإرهاب بمعزل عنها كحالة لقيطة دون ردها الى الوهابية السعودية.
وينطلق النفيس في كتابه لنتيجة مباشرة متعلقة بالهدف النهائي من المشروع السعودي وممارساته لخصها في فقرة تقول (في العقود الثلاثة الأخيرة بلغ الاختراق الوهابي أوجه تحضيراً للقفزة الأخيرة التي بدأت مع انطلاق ما يسمى بالربيع العربي في محاولة لتأسيس "وهابستان الكبرى" التي يفترض لها أن تتقاسم النفوذ مع "إسرائيل الكبرى" لتعيش المنطقة في ثبات ونبات وينجب العزيزان "إسرائيل" وآل سعود أولاداً وبنات وهكذا ينتهي التاريخ وفقا للتصور الصهيوـ وهابي). ولا يدّعي النفيس في هذا الكتاب انه اتى بأسرار جديدة وانما بلور فقط تحليلا منطقيا لحوادث رآها بأم أعينهم مئات الملايين من البشر.
يستعرض الدكتور النفيس افكار الكتاب بصورة غير نمطية حيث يفكر مع القارئ بصوت عال، ويسرد الكتاب سرداً أقرب للسرد الصحفي منه الى السرد النمطي للكتب المفهرسة.
ويتناول تأصيل الأزمة من جذور بعيدة، وفي تناوله رصد النفيس انه وبسقوط الدولة الفاطمية التي تكالب عليها العباسيون والسلاجقة والفرنج الأوروبيون إنهارت أكبر قوة مركزية عرفها العالم الإسلامي منذ أن بدأت الدولة العباسية في التلاشي، موضحاً أن الأمر لم يكن مجرد إنهيار دولة حلت محلها دولة أخرى بل انهيار بناء حضاري جاهدت دولة الفاطميين لتأسيسه ثلاثة قرون، وكان أن ضاع كل هذا تحت سنابك الخيل السلجوقي ومعاول الهدم والتخريب سلاحهم المفضل.
ويرصد النفيس في كتابه أنه من يومها وحتى الآن أضحى لدينا (إسلام) منزوع الحضارة كما اصبح مجرد التلفظ بكلمة (فاطمية) وصمة عار وجريمة يعاقب عليها قانون الغاب المطبق من قبل من يرون أنفسهم أنهم (مسلمون متحضرون)!!.
ويقول النفيس اننا عندما نتأمل في الحدث الوهابي ندرك بوضوح حقيقة اللعبة التي ما تزال تمارس حتى الآن. كيف لقوة بدوية أعرابية متمثلة في التحالف بين آل سعود ومحمد بن عبد الوهاب في (بلد) قلما تعايش مع فكرة الدولة المركزية أن تراهن ليس فقط على تعميم أفكارها بل وعلى تسيد المنطقة؟!
ثم يستعرض النفيس مراحل نمو الدولة الوهابية الى وقتنا الحاضر رابطا ذلك بالعلاقة الموازية لها مع مصر منذ محمد على مرورا بالتجربة الناصرية والسادات الى وقتنا الحالي راصدا بها المحطات المختلفة للحروب ثم طريقة التعاطي مع مصر وتجربة الاخوان المسلمين والتربص الدائم بمصر وسوريا والقصة الكاملة للبطولة المزعومة لفيصل في قطع النفط عن أمريكا والعالم وما نتج عنها من طفرة نفطية ثم حرب الخليج وتكثيف نشر الوهابية بإنشاء وزارة خاصة بها، مستعينا بعشرات الوثائق، مستخلصا انه "ليس فقط يعتقد آل سعود أن من حقهم تقرير السياسة الخارجية للنظم التابعة بل أيضا سياستهم الداخلية ومن يتعين السماح له بتأسيس حزب أو جمعية أو حتى تلقي تبرعات يرى المهرطق الرسمي أن من الضروري أن تسمح بها إدارة عموم التبرعات الوهابية الكائنة في الرياض، بينما يبقى حق مملكة الوهابية في إمداد أزلامها بالمال والسلاح الفتاك وغير الفتاك مطلقا!!".
خاص العهد/ القاهرة
https://telegram.me/buratha